بسببه قبل الحج !

غدا يوم المحفل العظيم.
يوم تغسل فيه أبدان عباد الله من درنها، وتعود ناصعة البياض، كصفحات كتاب لم يلوثه مداد الخطايا.
يوم يتجلى فيه الحي القيوم مخاطبا عباده الذين جاؤوه شعثا غبرا يطلبون رضاه بقوله: يا عبادي قد غفرت لكم.
سابغا على من جاء من كل فج عميق عفوه وكرمه.

هذا التجمع العظيم تكون فيه كل القلوب خاضعة متبتلة لا يعلو فيها غني على فقير أو أبيض على أسود، الكل باسط يديه طالبا جود رب العباد.

ولا أحد يعرف من تقبل منه ومن لم يتقبل منه، إلا أن مجموع الحجيج يحمل بعضها بعضا، وفي هذا السياق هناك حكايات ترغيبية جميلة تمر بنا لتذكرنا أن هناك أناسا مندسين بيننا ولا نعرفهم وأنهم لو دعوا الله لأجابهم، ولأننا نعيش أياما مباركة فقد هلت على ذاكرتي إحدى تلك الحكايات التي سمعتها منذ زمن، وتحكى عن أحد الأئمة (وأظنه الشافعي) كان حاجا وبينما توجه الحجيج للوقوف على جبل عرفة راغبين في أن يتقدمهم الإمام داعيا ومتذرعا ربه وطالبا منه قبول حج الحجيج، فاستجاب لهم، وأخذ في التذرع لله، رافعا يديه باكيا داعيا طوال النهار، وقبل النفور من عرفة بقليل، أخذ النعاس بعين الإمام، فنام (وفي منامه) سمع هاتفا يصيح به: لقد غفر الله لجميع الحجاج بسبب هذا، وأشار لحاج رث الثياب أشعث الشعر، فاستيقظ الإمام من نومه فرحا، ومبشرا بقبول حج الحجيج، ومع النفرة، حدث زحام شديد، فبينما الإمام يحاول تخليص نفسه من الزحام وإبعاد المتجمهرين حوله، لكز حاجا يجاوره فألمه، فقال الحاج للإمام أتلكزني وأنا من كنت سببا في قبول حج كل هؤلاء الحجيج!.
هذه الحكاية (وإن لم تحمل جزالتها) أوردتها تذكيرا بأن هناك أناسا قريبين من المولى عز وجل، فالله لا ينظر إلى الصور أو الثياب أو إلى شخص بعينه عرف بين الناس بصلاحه دون سواه، فهناك هبات من الله لبعض خلقه فلا يحرمنا الله فضلهم.

ولأن عيوننا وأسماعنا تعلقت بمن نظن بصلاحه دون سواه، بينما نهمل ونحتقر أناسا نصمهم بالجهلاء أو نعدهم من النكرات ربما يكونون أقرب إلى الله ممن هم ملء السمع والبصر، وهذه عظمة العبادات حين تخلط علية القوم بعامتهم، لا تميز منصبا أو جاها أو مالا.

وفي هذا السياق حكاية لعالم من علماء الأمة احتقر أعرابيا لجهله وهيئته الرثة فقال له: يا أخا العرب، أو تعرف تدعو الله. فقال الأعرابي: نعم، فقال له العالم: اسمعني، فقال الأعرابي: اللهم لم نسألك الإسلام ووهبته لنا، فهبنا الجنة ونحن نسألك إياها.

وغدا سيقف أكثر من مليوني حاج في صعيد عرفة، ملبين، متذرعين، خائفين، فياربي أجب دعاء عبيدك الذين خرجوا من كل فج عميق طلبا لمغفرتك وعفوك، ويا أكرم الأكرمين لا تحرمنا (يالله) فضلك ونحن القاعدون هنا نحمل أوزارنا ملتهين عن فيض جودك..يا رب العالمين.
abdookhal@yahoo.com

عكاظ 8/12/1430هـ