إعادة مساجد مكة لمكانتها التاريخية

إن رؤية 2030 ركزت على محاور أساسية وهي: (مجتمع حيوي، اقتصاد مزدهر، ووطن طموح)، وقد عمل سمو ولي العهد -حفظه الله- على مساندة كل الخطط الإستراتيجية والتنفيذية لدعم الرؤية، ومنها برنامج التحوُّل الوطني 2020م، وبرامج جودة الحياة، لتحسين نمط حياة الفرد في مجتمع ينعم أفراده بأسلوب حياة متوازنة، فلم تقتصر رؤيته -حفظه الله- على الأنشطة الترفيهية والرياضية والثقافية، بل شملت الأجواء الروحانية من خلال عناية سموِّه بالمساجد التاريخية.

فقد وجَّه سموِّه مُؤخَّراً بتأهيل (130 مسجداً) تاريخياً ضمن برنامج (إعمار المساجد التاريخية)، والذي تُشرف عليه الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني بالشراكة مع وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد.. وحقيقةً، إن هذا الاهتمام بالمساجد يُجسِّد حرص القيادة منذ تأسيس هذه الدولة وإلى يومنا هذا على كل ما يُحقِّق الأمن والاتزان النفسي للمواطن والمقيم والزائر، والاطمئنان في إقامة الشعائر الدينية، حيث لم تكتفِ الدولة بالتوسعة العملاقة للحرمين الشريفين، بل امتدت لتشمل المساجد التاريخية وإحيائها لمساعدة الناس في إقامة الصلوات بها بعد أن هُجِرَت لسنواتٍ طويلة.

وقد شملت خطة الترميم والتأهيل مساجد في جميع مناطق المملكة، كما أن منطقة مكة المكرمة شملها مسجدان هما: (مسجد سليمان عليه السلام، ومسجد البجلي بن مالك وكلاهما في الطائف).
وحقيقةً، هناك مساجد في مكة المكرمة لها عُمق تاريخي مُتأصِّل في الحضارة الإسلامية، وقد تُضَم للتراث العالمي، وإعادة ترميمها وتهيئتها خُطوة تُحسب للدولة السعودية؛ حيث إن الآثار؛ من المعطيات الحضارية التي تحترمها كافة الثقافات، والمساجد لها مكانة عظيمة في الدين الإسلامي، إضافةً لكونها من المعالم الأثرية والتاريخية؛ فهناك أكثر من 11 مسجداً تاريخياً في مكة المكرمة، وأذكر منها على سبيل المثال: مسجد بيعة العقبة وهو: موجود ناحية جسر الجمرات، وهو يحتاج إلى ترميمٍ وتهيئة، علماً بأن الملك عبدالله -رحمه الله- أمر بالإبقاء على هذا الأثر، وجعله داخل سياج.. وهناك مسجد الحديبية من ناحية الشميسي، ويحتاج إلى رفع الأثر من تحت الأرض وإعادة بنائه.. ومسجد الفتح، وهو المكان الذي خَيَّم فيهِ الرسول صلَّى الله عليه وسلم قبل دخوله لمكة من ناحية الجموم. ومسجد الراية من ناحية الغزة، وهذا المكان الذي غرز فيه النبي عليه الصلاة والسلام رايته عند دخول مكة في السنة الثامنة للهجرة، كما أن هناك مسجد الكوثر، ومسجد الكبش، ومع أن هذين المسجدين قد أُزيلا منذ زمن؛ نتيجة للتوسُّعات التطويرية في منى، ولكن نتمنى وجود ولو مسجداً صغيراً لكل منهما في المكان، أو على الأقل في أقرب مكان لهما، للمحافظة على ذلك الإرث الحضاري الإسلامي.

ثم إن المساجد الموجودة مثل مسجد الخيف ونمرة ومسجد المشعر الحرام، لماذا لا تكون مفتوحة طوال العام؛ خاصةً وأنه حسب رؤية 2030م فإن عدد المعتمرين والحجاج سيصل إلى 30 مليوناً، وفتح هذه المساجد لهم؛ خطوة تُحسب للمملكة في رعايتها واهتمامها بخدمة المسلمين الذين يفدون إلى مكة لأداء الشعائر الإسلامية.. كما أن مساجد المواقيت وهي: ذو الحليفة لأهل المدينة، والجحفة لأهل الشام، وقرن المنازل لأهل نجد، ويلملم لأهل اليمن؛ جميعها مساجد تاريخية تحتاج إلى العناية لكثرة عدد مرتاديها، وهي بوابات حضارية وإظهارها -بالنظافة في الفرش والترميم ونظافة دورات المياه- يُدلِّل على مدى حرصنا على بيوت الله.

حتماً، إن يد العطاء والتي اتخذت من رؤية 2030م بعد العمق العربي الإسلامي، ستشمل مساجد مكة المكرمة برعايتها واهتمامها بالترميم والتأهيل واستعادة مكانتها التاريخية.   


نُشر في جريدة المدينة بتاريخ | 21 ربيع أول 1440هــ