أين أغوات الحرم المكي ؟

كلما دخلت المسجد الحرام مصليا أو طائفا، تذكرت أشخاصا كانوا إلى الأمس القريب يقفون داخل صحن المطاف وبالحصوات، وبعضهم مرافق للإمام يرتدي ثوبا أبيض وعمامة بيضاء، والبعض يرتدي عمامة خضراء مميزة، وكان يطلق عليهم أغوات الحرم.

تذكرتهم فتذكرت مراحل تاريخية مضت يجهلها الكثير من شبابنا، ولفظ «أغا» أعجمي مستعمل في اللغات التركية والكردية والفارسية، فعند الأكراد تطلق على شيوخهم وكبارهم، وتطلق عند الأتراك على الرئيس والسيد، وتطلق في الفارسية على رئيس الأسرة، وصارت كلمة «أغا» أيام الدولة العثمانية تطلق على الشيخ أو السيد وصاحب الأرض ورئيس خدمة البيت وكان كثير من خدمة الحكومة في الوظائف العسكرية يلقبون بكلمة «أغا» وكانت تطلق أيضا على الخصيان الخادمين في القصروفي مكة والمدينة لفظة خاصة بخدمة الحرمين الشريفين».

وأشارت العديد من المصادر التاريخية إلى أن تاريخ الأغوات يعود «إلى عهد معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه فهو أول من وضع خداما للكعبة المشرفة من العبيد، وأول من اتخذ الخصيان لخدمة الكعبة هو يزيد بن معاوية، ويرى رفعت باشا أن أول من رتب الأغوات في المسجد الحرام هو أبوجعفر المنصور، أما أغوات الحرم النبوي الشريف فيعود تاريخهم إلى زمن الملك الناصر صلاح الدين بن أيوب، فهو أول من عين خصيانا لخدمة المسجد النبوي الشريف».
غير أن شيخ أغوات المسجد النبوي الشريف الشيخ سعيد بن آدم بن عمر أغا، نفى في حوار صحفي نشر عام 2011 هذه الرواية وأوضح أنه «خلافا لما كان شائعا عن الأغوات من أن آباءهم هم من قاموا (بخصيهم) وإرسالهم إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة لخدمة الحرمين الشريفين، فإن الغزو الإيطالي للحبشة عمد إلى «خصي» الأطفال حتى يقطعوا نسلنا».

وكشفت مجلة «اليمامة» في أحد أعدادها في لقاء أجراه زميلنا توفيق نصر الله مع الأستاذ سالم فريد يمني المشرف على شؤون الأغوات ووكيلهم الشرعي ـ سابقا ـ «حيث كشف العديد من الجوانب الخفية في حياة هؤلاء ووصفهم بأنهم أغنياء ولكنهم محرومون من شيء أساسي وهو القدرة على الإنجاب».
وأوضح اليمني حينها أن للأغوات أوقافا «بالبصرة في العراق وفي المغرب وفي اليمن، أما في الداخل فتوجد في مكة والطائف وجدة والأحساء، وهذه الأوقاف فقط لأغوات مكة الذين هم تحت إشرافي، أما أغوات المدينة فلهم أوقاف أخرى في المدينة المنورة».
وللأغوات نظام قال عنه اليمني بأن المادة (42) منه تنص على «أن رئيس الأغوات وجماعته أمة مستقلة في نظامهم الداخلي وأن هذا الاستقلال الإداري ممنوح لهم بتقرير الملك عبدالعزيز ـ رحمه الله ـ المعطى لهم والمنصوص عليه في المادة (40)» وبعد وفاة الملك عبدالعزيز أيد الملك سعود تقرير والده الملك عبدالعزيز ـ غفر الله لهما ـ في تقرير ملكي صادر من ديوانه الملكي بعدد 35 في 4/‏3/‏1474 , لكن السؤال اليوم، بعد اندثار الأغوات هل وجد من يسعى لتوثيق تاريخهم؟
أرجو ألا يغيبوا تاريخيا، كما غابوا جسديا، فقد ضحوا بحياتهم لخدمة الحرمين الشريفين.



نُشر في صحيفة مكة بتاريخ :
الثلاثاء 20 جمادى الأولى 1439 - 06 فبراير 2018