«من مكة وإليها».. قصة خالدة
يمثِّلُ كتاب: «من مكَّة وإليها.. سيرة صالح عبدالله كامل»، الذي تمَّ تدشينه في معرض الرِّياض الدَّولي للكتاب، قيمةً نوعيَّةً وإضافةً استثنائيَّة للمكتبة العربيَّة، لأنَّه يتناول شخصيَّة رجل أعمال كبير، رحل تاركًا خلفه سيرةً عطرةً، وإنجازاتٍ ضخمةً، إنَّها سيرةُ ومسيرةُ «شاهبندر» التُّجار، رائدُ الصَّيرفة الإسلاميَّة والإعلام الفضائيِّ، منذُ ولادته بالطائف عام 1941م حتَّى وفاته عام 2020م.
عشرة فصول توثيقيَّة مُلهمة مُضيئة بسيرة الفقيد، تنيرُ الطريق، وترسمُ معالم المستقبل لهؤلاء التوَّاقين إلى التميُّز والرِّيادة، ممَّن يحملُونَ الشَّغف والتحلِّي بصفات الصَّبر والإرادة والوطنيَّة المُخلصة.
إنَّها قصصٌ تروي أحداثًا ومناسباتٍ، وتجسِّد أفعالًا نستخلصُ منها الدروس والعِبر في العمل، والإقدام، وتقوى الله، وحُسن القيادة، وحبُّ الوطن، والصدق، والوفاء، والولاء، نستقي ذلك كلَّه من رائد يُعتبر أحد مؤسِّسي الاقتصاد الحديث، قدَّم أطيافًا واسعةً في مجالات الإعلام والصَّيرفة، والنَّقل وخدمات الحجِّ والعُمرة، وساهم بقيادته الطليعيَّة في بلورة فكرة وأساليب التَّمويل الإسلاميِّ، وترك كياناتٍ اقتصاديَّةً عملاقةً يُشار إليها بالبَنان.
لقد جاء هذا الكتابُ -كما أوجزتْ كاتبتُه ندى عيد محتواه- «ليرصدَ مسيرةَ هذا الرجل الرِّيادي في جميع القطاعات التي دخلها، وهو الرجلُ الرؤيويُّ في مشروعاته، وصاحب الرِّسالة التي عمل على تحقيقها في حياته اليوميَّة، وهي سيرةٌ ومسيرةٌ تخلَّلتها دروب من النَّجاح والإخفاق، والتسهيلات والتعقيدات، وهو في جميعها ظلَّ أمينًا لدينه، وقيمه، ومبادئه، وأخلاقيَّاته».
لذا، فإنَّ هذا الكتاب -بزخم محتوياته، وثراء دلالاته- هو أجملُ هديَّةٍ يمكنُ تقديمها للشَّباب والكهول، وحتَّى الشيوخ؛ لينهلوا من وعائه المعرفيِّ، ما يُعدُّ رصيدًا لهم في رحلة الحياة. نستقرؤ بينَ سطور الكتاب تلكم القيم المتأصِّلة في وعي الفقيد، والتي استقاها من والديه، وتقاطعت مع أخلاقيَّات مهنة الطوافة التي كان أكثر شغفًا بها؛ لتشعباتها الإنسانيَّة والمعرفيَّة. كما نستقرؤ أثرَ عصاميَّته في تحفيز إرادته التي قادته في دروب الحياة لصناعة مستقبل مُلهم.
ولعلَّ ما يستهوي القارئ بين صفحات الكتاب، ذلكم البُعد الإنسانيُّ الذي نلمسه في حرص الفقيد على تعزيز الدَّور المؤسَّسي للقطاعات غير الربحيَّة، ومنها الغرف التجاريَّة، والجمعيَّات الخيريَّة، وشغفه بتعلُّم الكشفيَّة العالميَّة لمساعدة الآخرين في كلِّ الأوقات (اكتسب مبكِّرًا روح التطوُّع)، فكان الجندي في الرحلات والمعسكرات، حيث يكتب المرء الرجولة، والاعتماد على النَّفس، والانضباط ومساعدة الآخرين، وظلَّ على هذه الرُّوح إلى أن اختاره اللهُ إلى جواره، حيث نعته المنظَّمةُ العالميَّةُ للحركة الكشفيَّة والأسرة السعوديَّة الكشفيَّة.
لقد جسَّد هذا الكتاب صورًا فريدةً من ملامح شخصيَّة الشيخ صالح كامل -يرحمه الله- وحياته الأسريَّة والعمليَّة، وصفاته المتميِّزة كعاشقٍ للمعرفة، ومحبٍّ للخير، وشغوفٍ بحبِّ وطنه وأبنائه وقيادته، وليحيط ذلك كله برجاحة العقل، وعمق التجربة، وبُعد النَّظر.
ولعلَّ الشيء الذي غفل عنه الكتاب، أنَّ تجارة الشيخ صالح كامل وثروته ليس لها أيُّ علاقة بوالده، الموظَّف الحكومي العتيق، الذي كان يستدينُ من بعض أقرانه للوفاء بمتطلَّبات داره، وضيافته للآخرين التي لم تنقطع في الطَّائف، أو في مقر عمله في الرياض، وربما كان هذا الأمر أحد حوافز الشيخ صالح في السعي وراء رزقه.
رحمَ اللهً الشيخَ صالح كامل، وجزى أبناءه كلَّ خيرٍ على ما قدَّموه برًّا لوالدهم، والذي كان منه تدشينُ هذا الكتاب، الذي نسألُ اللهَ أنْ يكونَ من الصدقاتِ الجاريةِ للفقيد ولوالده عبدالله محمد كامل -يرحمهما الله-.
نقلا عن جريدة المدينة