الحج ليس ترفًا ولا ميدانًا للصراعات

تشهد بلادنا العظيمة في هذه الأيام المباركة موسمًا من أعظم مواسم الإيمان والعبادة، تتجلى فيه أروع صور التلاحم والترابط والمساواة بين المسلمين في أطهر بقاع الأرض وأكثرها قداسة، فوفود حجاج بيت الله الحرام جاءت ملبيةً نداء نبي الله إبراهيم الذي دعاه ربه ليؤذن في الناس بالحج، ليأتوه رجالًا من كل حدب وصوب عبر البحار والأجواء والبيد، ومن كل فج عميق، ليشهدوا منافع لهم ولينالوا المثوبة والغفران من رب هذا البيت وحاميه، وقد وُعدوا بأن من حج بيته ولم يرفث ولم يفسق ويفسد، رجع عائدًا لبلده مقبولًا سعيه، مغفورًا له كيوم ولدته أمه.
 
ما من شك أن القلوب المؤمنة الصادقة في إيمانها ومقاصدها، تهفو بوجدانها وحنينها وشوقها إلى هذه البقاع الطاهرة، فما برحت أشواق المؤمنين تحن أبدًا للطواف بالبيت العتيق، وتحن للصلاة في الحطيم والمقام وتروي ظمأها بماء زمزم، والسعي بين الصفا والمروة، والوقوف يوم الحج الأكبر ويذكروا الله في المشعر الحرام، وقد أكرم الله هذه البلاد وأنالها الله شرف خدمة وفود الرحمن، والعمل على تسهيل مهام حجهم، وقد بذلت الحكومة السعودية منذ أن تعهد قادتها وولاة الأمر بأن ينالوا شرف خدمة الحرمين الشريفين منذ عهد مؤسس الكيان المغفور له -بإذن الله- الملك عبد العزيز، وقد هيأت حكومة هذه البلاد كل إمكاناتها وجهودها للعمل على راحة حجاج بيت الله الحرام والعُمار وسلامتهم.
 
الحج فُرض على المسلم مرة في العمر وهو فرض وواجب على الصحيح القادر وتكون نفقة حجه تفيض على حاجة أهله وعياله، وما زاد على المرة في العمر يُعد ترفًا في العبادة، وهو يأخذ مكان مسلم آخر أحق به، وخُلق المؤمن الصادق أن يحب لأخيه ما يحبه لنفسه، فمن مَنَّ الله عليه بأداء حجته المفروضة، عليه أن يفسح المجال لمن لم يؤدِّ حجة فرضه، والأعجب والأشد غرابة أن يلجأ البعض للتحايل والخروج على الشرع ومخالفة القوانين بأداء الحج بلا تصريح.
 
ومما لا يُرضي الله -عز وجل- ويخالف تعليمات وقوانين حكومة هذه البلاد الرشيدة أن يُستغل موسم الحج لرفع الشعارات السياسية فيجعلوا من المشاعر المقدسة ميدانًا للصراعات الدينية والعقائد المتطرفة، وهو ما يزعزع أمن الحجاج والمواطنين، وفي سنوات خلت شهدت مكة المكرمة والمشاعر المقدسة أحداثًا مأساوية ذهب ضحيتها الكثير من الحجاج والمواطنين، حين قامت فئة طاغية من الشيعة الذين كانوا دخلاء على وفود الحجيج ولم يكونوا سوى جنود من الشياطين الذين هدفهم زعزعة أمن الحجيج والعبث بالمقدسات، وتعكير الأجواء على ضيوف الرحمن، وكانت لهم الحكومة السعودية بالمرصاد وتم التصدي لجرمهم، لذلك تستنفر الدولة السعودية أجهزتها الأمنية والحكومية للتصدي لكل دخيل عابث وكل مفسد يهدد أمن الحجاج وسلامتهم ويصون الأراضي المقدسة.
 
(وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ۖ وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) (سورة البقرة الآية 125) صدق الله العظيم.