سليمانية مكة .. وحكايات من زمن لن يعود
في كتابه "سليمانية مكة وحكايات من زمن لن يعود" أعادني الأستاذ المذيع المبدع، عدنان صعيدي، لأيام الطفولة في مكة المكرمة، حيث درست فيها في مدرسة الفلاح بحي الشبيكة، الدراسة الابتدائية، من الصف الأول إلى الصف الرابع، ورغم أننا كنا نسكن في جبل "السبع البنات" بحي أجياد، إلا أن التفاصيل التي رواها الصديق العزيز تكاد تكون متطابقة في جميع الأحياء في مكة المكرمة في تلك الأيام، فالخُلِّيف و"القيسي" عشناها أو سمعنا عنها في روايات كبار السن من أهلنا، والملابس "كالصمادة" و"العقال القصب" والثياب الملونة لبسناها أيام الأعياد، وأكلنا فيها المعمول، وحملنا صوانيها فوق رؤوسنا ــ في شهر الحج ــ من البيت إلى الفًرانة المجاورين في الحارة، ليخبزوه لنا، كما أن أهلنا حرّموا علينا شراء أو أكل اللحم في أيام موسم الحج، مخافة أن تكون من هدي الحجاج، وأنها قديمة الذبح، كما أنه أورد في الكتاب ذكر بعض الأماكن مثل سويقة، والمسعى، والمدعى، والغّزة، والخريق، وغير تلك الأماكن التي مشينا فيها، واشترينا لأهلنا من أسواقها ــ عندما يرسلوننا إليها ــ المطبق، والشّريك، والحلاوة الطحينية، والكباب الميرو، وغير ذلك الكثير.
أذكر أنني ذهبت إلى حارة السليمانية ــ في صغري ــ مرّة واحدة فقط لأشتري لأهلي "لحافين" من المنجّدين الأفغان الجيدين في صناعة اللحف في تلك الأيام، وقد ذهلت لكثرتهم، وكثرة دكاكينهم، ولم تتكرر زيارتي في صغري إلى تلك الحارة المدهشة، التي تقع في نهاية المدّعى، وذلك لبعدها عن مسكننا في حارة أجياد، ولأنني كنت صغير السن، فيما دون الثامنة من العمر، فيخاف أهلي عليّ من أن أضيع في أزقة مكة وحاراتها، مع أنني كُنت أتبع ــ دون علم أهلي ــ فرقة موسيقى جنود الشّرطة، وهي تعزف موسيقاها من قبل دخولها "للمسعى" إلى ما بعد "الغزّة" ولو علموا بذلك لأذاقوني ما أستحق من العقاب.
أما مبنى البريد الشهير ومنطقة الخريق فكم من مرة أخذنا فيها سيارات التاكسي طالعين إلى الطائف أو متجهين إلى جدة، وقد أشار الأستاذ عدنان في كتابه إلى الحجون والمعلاة والشبيكة وحارة الباب، وغيرها من الأماكن، إلا أنه اهتم كثيرَا في كتابه بالشخصيات الهامة في حارة السليمانية، وعرض صور الكثيرين من الذين نعرفهم أو الآخرين الذين يعرفهم ساكنو الحارة فقط، كما أنه عرض المشاهير الذين عرفهم الكثيرون من أهل المملكة، فعل سبيل المثال لم أكن أعرف أن الوجيه عبد الرحمن فقيه هو من ًأهل "السليمانية" أو أن المغنّي ذائع الصيت حسن جاوا من أهلها أيضا، ولأول مرة أرى صورته وقد سررت بذلك كثيرًا ــ وبالمناسبة فإن ابنه جمال كان نائبًا لمحافظ مؤسسة البترول والمعادن (بترومين) أيام عملي فيها ــ وهناك شخصيات وأحداث كثيرة يضمها الكتاب سوف يسعد بمعرفتها القارئ.
هذه بعض الإشارات القليلة إلى كتاب ممتع يقع في مئة وست وتسعين صفحة من الحجم المتوسط، قضيت معه ساعات حلوة في ليلة شتاء غير قارس بجدة.
جدة/ السبت 24 فبراير 2024 ــ 14 شعبان 1445هـ.
نقلا عن صفحة الاستاذ عدنان صعيدي على الفيس بوك