أبو سليمان : يجوز للمرأة الحائض الطواف والحج بدون محرم

أكد الدكتور عبدالوهاب بن إبراهيم أبو سليمان عضو هيئة كبار العلماء أن المملكة العربية السعودية لا تلزم أحدا من الحجاج الالتزام بالفتوى على مذهبها في الحج

أكد الدكتور عبدالوهاب بن إبراهيم أبو سليمان عضو هيئة كبار العلماء أن المملكة العربية السعودية لا تلزم أحدا من الحجاج الالتزام بالفتوى على مذهبها في الحج وكل حاج يأخذ بفتوى مذهبه وعلمائه لافتاً أنه كفقيه لا فرق عنده بين مذهب أهل السنة وغيره من المذاهب وانتقد أبو سليمان بعض من يحفظون بعض الآيات والأحاديث ويتصدرون للفتوى ووصف المتشددين في الفتاوى بأنهم يشكلون أذى للمجتمع المسلم .

وقال معاليه في محاضرة شهدتها ندوة الحج الكبرى مساء أمس الأول إن ثبوت رؤية هلال ذي الحجة في الوقت الحاضر مشكلة كبيرة للأمة لأنها لا تثبت إلا بالليلة الأولى وهذا بالنسبة للوقت الحاضر ولما يعيشه الناس من أمور تعتبر رؤية ارتجالية مشيراً أن الدراسات العلمية أكدت أن (60%) من الرؤية خلال مائة عام ماضية خطأ ، أفتى أبوسليمان بجواز الرمي قبل الزوال وطواف المرأة الحائض وسفر المرأة للحج برفقة آمنة وبدون محرم وقال إن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ينطبق على الزمن الماضي عندما لم يكن هناك رفقة آمنة .

وطالب أبوسليمان بالانفتاح في الفتاوى ومعايشة الواقع من الفقهاء والعلماء متسائلاً لماذا نظهر الإسلام بالصورة الضيقة المتوقعة بسد الذرائع ولماذا لا يكون الإسلام فتح الذرائع وقال في بداية المحاضرة التي كانت بعنوان (الفتاوى الفقهية في أهم قضايا الحج قديماً وحديثاً) ما موقفي مع حضراتكم إلا كمن أهدى زمزم إلى أبناء زمزم خصوصاً وأن بين الكثيرين من السادة الحضور من هو في مقام الأستاذ ولو تواضعت كثيراً لقلت هو في مقام الزميل ، وهذه المحاضرة ترتكز على ثلاثة محاور هي الفتاوى والحج ثم القضايا الكبيرة التي تتكرر ، وهذه الشعيرة فُصلت تفصيلاً في الكتاب والسنة.

وقال أبو سليمان : الحج محدود بثلاثة عناصر الزمان تأقيتاً والمكان تحديداً والإنسان أداءً وهذه الثلاثة العناصر لها دور كبير في فتيا الحج خاصة ولا يمكن أن يستقل المفتي بصورة متجردة عن طريقة كتاب أوتلاوة حديث أو أيٍ من القرآن ويصدر الفتوى ، والقضية الأولى ثبوت رؤية الهلال وهي مشكلة كبيرة جداً يعيشها العالم الإسلامي ليس بالنسبة لموضوع الحج ولكن لكافة المناسبات الدينية إنما تتمثل وتتجسد هذه المشكلة بحقيقتها وللعالم الإسلامي كله في رؤية هلال ذي الحجة ، رؤية هلال ذي الحجة في الوقت الحاضر لا تثبت إلا بالليلة الأولى وهذا بالنسبة للوقت الحاضر ولما يعيشه الناس من أمور تعتبر رؤية ارتجالية ، الإنسان إذا عزم أن يرحل لبلد قريب منه فهو يخطط الزمان والمكان ولا يمكن أن يستقل هناك ارتباطات بمكاتب وإدارات معينة هذه الرؤية الارتجالية تضر كثيراً بالناس ، لا أستثنى من ذلك العامل الكادح الذي يستلم أجراً فضلاً عمن له ارتباطات رسمية إذاً هذه مشكلة كبيرة، السادة الفقهاء الذين يلتزمون الرؤية ، يلتزمون الرؤية البصرية ويوم لم تكن لدينا الإمكانات الجاهزة ، اعترف الفقهاء بأن هناك خطأ في تعيين وتحديد يوم عرفة أحياناً تتقدم الوقفة تكون يوم التروية وهو (اليوم الثامن) وأحياناً تتأخر إلى يوم العاشر ولدينا هنا في مكة المكرمة بعض الإخوة الفلكيين الذين اثبتوا خطأ الرؤية سنوات عديدة بالنسبة على الأقل في رمضان والعيد هذا الوضع أدى بفقهائنا الكرام في الماضي أن يفسحوا مجالاً لمناقشة هذا الأمر وبالتفصيل فالرأي الذي توصل إليه جمهورهم أنه إذا تقدمت الوقفة بمعنى أنها كانت يوم التروية فالحج فاسد وباطل وخطأ قالوا لأنه لم يناسب في اليوم المناسب له وتقدم قبل ذلك ، مثال ذلك الصلاة لو صلى الإنسان الظهر قبل دخول الوقت فهذه لم يدخل وقتها وإن كان الفقهاء عللوا ذلك بشيء آخر أما إذا تأخروا بمعنى أن يوم الوقفة كان يوم العيد قالوا صحت الوقفة واستمر الناس وأكملوا الحج على ما هم عليه وحجهم يصبح صحيحاً وذلك لأنهم اجتهدوا لأن الشهر إما (29)يوما وإما (30) يوما فإذا أخطأوا فهم أخطأوا في الاجتهاد ومن أصاب فله أجران ومن أخطا فله أجر ولهذا الفقهاء تكلموا عن هذا .وقال أبو سليمان للفقهاء السابقين عذرٌ في ذلك لأنه كما لا يخفي على الجميع أن وسيلة ثبوت الهلال أمران ، الأول إما الرؤية البصرية وإما عن طريق الفلك الذي كان في بداياته وكان الفلك أيضاً خليطاً بالتنجيم ولذلك في الفتاوى القديمة نجد أن الفقهاء يُحرمون القول بالفلك ليس هو هذا الفلك الذي نعيشه علماً وآلاتٍ متقدمة وإنما الفلك المخلوط بالتنجيم ،ولهذا من الخطأ في الفتوى أن نجتر تلك الفتاوى بأدلتها لعصرنا الحاضر ، هذا الافتراض لا تقبله قواعد الشرع لأن الله عز وجل منّ علينا في الوقت الحاضر بهذا التقدم العلمي المتطور الذي أوصلنا إلى مجالات لم نحلم بها ولم نتخيلها سابقاً فكوننا نلغي هذا الأمر هو إلغاء للعقل وإلغاء لتطور الشرع ، عندنا ثوابت في الشرع لا يمكن أن تتغير ولكن هناك متغيرات ، ناقش هذا الموضوع كبار علماء العصر ونحمد الله عز وجل أن الله لم يحرم هذه الأمة في كل عصر من علماء مجتهدين متفتحين فهنا في موضوع الرؤية عندما يذهب العلماء في استعمال الوسائل العلمية الحديثة في إثبات الرؤية أجابو عن الأحاديث الماضية فالرسول صلى الله عليه وسلم عندما قال (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غُمّ عليكم فأكملوا العدة) قالوا لم يكن يتوافر في ذلك الوقت من الإمكانات إلا الرؤية ولذلك قال الرسول عليه الصلاة والسلام (فإن غُمّ عليكم فأكملوا العدة) وإلى هنا فالرؤية هي وسيلة ، وقال (إننا أمةٌ أُميّة) ولكن الآن مع وجود الجامعات وأقسام الفلك والمؤسسات العالمية التي تثبت هذه الأشياء ، لا زلنا أمةً أمية (لا أظنُ عاقلاً يقول ذلك) فإذاً الرؤية البصرية إنما هي وسيلة ولذلك يقول الإمام ابن عقيل الحنبلي رحمه الله تعالى (كل ما أثبت الحق فهو من الشرع وإن لم يأت به الشرع) فلماذا نُضَيِق على أنفسنا وأثبتت الحقيقة العلمية على يدي ثقات خطأ الرؤية البصرية في الوقت الحاضر خلال المئة العام الماضية ربما وصلت إلى نسبة (60%) من الخطأ ولا زلنا نتمسك أنه لابد من الرؤية ولا زال الخلاف من جملة المسائل التي تتكرر سنوياً وتشغل بال العالم الإسلامي هو موضوع رؤية الهلال ،بالبصر أو بالفلك ، الله تعالى وفر علينا هذه الإمكانات العلمية الحديثة ،ولذلك أناح باللائمة على الجمود على هذا الوضع كبار العلماء من جملة ذلك والذي أعلم اعتراضه بشكل صريح بل ونادى العلماء وكتب في ذلك رسالة فضيلة الشيخ عبدالله زيد آل محمود رئيس محاكم قطر ونبه العلماء على أن استمرارهم في هذا الوضع وعلى هذا الاتجاه سيضر بهم ويضر بشريعة الإسلام .

وقال أبوسليمان واقعية الفقه والفتوى لها دعائم والإفتاء له قواعد ،كما قال الإمام الشافعي رحمه الله الإفتاء لابد له من أمرين فهم الواقعة وفهم النّص إذا كان فهم الواقعة خطأً فإسقاط النص خطأً ، الواقعية في الفتوى في الشريعة الإسلامية أمر مهم جداً ، وكما نعرف أن تغير الأحكام بتغير الزمان ، وفتاوى العلماء القدامى صحيحة وسليمة في زمنها وفي وقتها ولكن أن تنقل كما هي ونرددها ونجترها في الوقت الحاضر فلا ، ولذلك لابد من استعمال قواعد التيسير في الحج فليس الفقيه من يجيد العزيمة إنما الفقيه من يعرف الرخصة .

وتناول أبوسليمان قضية الأمن في الحج وقال من أسس الاستطاعة الأمن على النفس والمال والعرض ،قيل للإمام مالك أليست الاستطاعة الزاد والراحة قال (لا والله) قد يجد الإنسان السبيل إلى الزاد والراحلة لكنه يعجز قد يكون قوياً ويستطيع أن يذهب وكذا ،فإذاً ليس هذا معارضة من الإمام مالك للنص النبوي وإنما هو تخصيص ولذلك من شروط الإفتاء أن يكون الشخص عالماً بالكتاب والسنة وعلاقة النصوص بعضها ببعض ، والإفتاء يحتاج إلى تأهيل ديني اجتماعي علمي .

وقال أبو سليمان من القضايا المهمة سفر المرأة لأداء فريضة الحج والحديث (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم والآخر أن تسافر إلا مع ذي محرم أو زوج) ولذلك شدد الفقهاء على أن تحج المرأة بمحرم وكل ذلك من أجل ضمان الأمان لها ولكن كما تعلمون أن الفقه الإسلامي فيه مدرستان واضحتان تماماً مدرسة ظاهرية تتبع النص يعني لا يمكن نتزحزح قال الحديث ذلك ، ومدرسة أخرى تذهب إلى المقاصد ، الفئة الثانية تقول المقصد هو شعور المرأة بطمأنينتها فمتى شعرت المرأة أنها تسافر حتى ولو كانت وحيدة أو كانت مع فئة النساء تشعر بالأمان والاطمئنان فلا مانع من سفرها سواءً كان الحج فرضاً أو حج تطوع هذا هو الأصل وكونها مع رفقة مأمونة هذا تبناه علماء وأئمة المذهب الشافعي أما المالكية فأمرهم واضح في ذلك أن الرفقة المأمونة تغني وتكفي عن الزوج والمحرم ،ولذلك الفقيه هنا يجب أن يتأمل ، المرأة تذهب من جدة إلى أمريكا ثم يقابلها زوجها دون أن تشكو إليه أنها تعرضت لكذا وكذا وفي داخل المملكة نفس العملية ، إذاً ما دام المرأة عفيفة وصَيِنة وتحافظ على شرفها فهي لو أحست بعدم الأمان لطلبت من الزوج أو من محرمها أن يذهب معها ، إذاً لابد أن يعيش الفقيه عصره الحاضر ، أما إن بدأنا نجتر ونردد تلك الأمور سنجد فجوة كبيرة بين زماننا وبين ما نسميه شرعاً. وأضاف موضوع طواف الإفاضة للحائض هذه القضية تطلق كثيراً . الفقهاء سابقاً تكلموا عن المرأة إذا حبسها الحيض في كل مكان تكلم فيها المالكية والشافعية والحنابلة ولعل من تناولها تناولاً علمياً حديثاً بكل معاني هذه الكلمة ، العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى فقد ذكر الفرضيات التي تتعرض لها المرأة الحائض لو عرفت أن العادة تأتيها أيام الحج إما أن تترك الحج أو تأتي فإذا جاءتها العادة تسافر إلى بلدها وتظل محرمة إلى أن يأتي العام القادم وفي ذلك مشقة وهكذا وضع العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى فرضيات عديدة ولم يخلص منه إلا لديه أمرين ، الحل الأول قال إن تستنيب أو أن تهجم على البيت ، لأن المرأة التي جاءتها العادة لا تدخل المسجد ، ولكن لا واجب مع ضرورة هذا هنا وقعت في ضرورة والضرورة تسقط أحياناً الواجب والشرط ولذلك قال أنا لا أرى إلا أحد حلين ، الأول أن تستنيب وأعتذر عن هذا وقال الاستنابة لم أر أحداً قال بذلك ، والرأي الفقهي قال مثلها مثل المعضوب وهو الإنسان العاجز الذي أصابه المرض فإنه يسقط عنه بعض الواجبات لكن قال المعضوب لابد أن يقضي وهذه تريد العودة لبلادها ورجوعها مرةً أخرى لا يمكن أن تستنيب ، ولا يمكن أن أقيس المرأة الحائض بالمعضوب لأن المعضوب عليه أن يؤدي إذا سلم ، وهذه ستطهر ، والحل الأخير قال أن تطوف بعادتها لأنه لا واجب مع الضرورة ، والضرورة تسقط ذلك ، وأنا فكرت في حلول أخرى الآن هناك أدوية يمكن تناولها وقد كان هذا قديماً وأجازه العلماء ، والحل الشرعي إما أن تتناول الدواء وإما أن تطوف.

وتحدث أبو سليمان عن قضية الإحرام من محافظة جدة وقال الحديث معروف عن المواقيت المكانية وهي ذو الحليفة ،الجحفة ،يلملم، وذات عرق، وقرن المنازل، هنّ لهنّ ولمن مرّ عليهنّ من غير أهلهنّ ، ولذلك العلماء أوجبوا عند المحاذات هذا إذا كان في البر فما بالك إذا كان في البحر وفي الجو ، أما موضوع البحر فلدينا فتاوى تعود إلى القرن الخامس الإمام سند ابن عنان الأزدي المالكي المصري قال إذا وصل على البر أحرم ، لأن في ذلك الوقت لم يكن سوى البواخر، والبواخر الشراعية وقال أخشى عليه الهلاك والمشقة والتعب لو أحرم في الباخرة وهبت الأعاصير فعند إذٍ يحرم من البر هذا كلام الإمام سند ، بعد ذلك في القرن الثالث عشر الماضى أثار هذا الموضوع في تأليف مستقل عالم حنفي مكي اسمه الشيخ جعفر ابن أبي بكر اللبني من كبار علماء مكة الأحناف ألف كتاب (دفع الشدّة في جواز تأخير الإحرام إلى جدة) فأجاز الإحرام من جدة وذكر تعليلات ، ولذلك لا حرج على القادم بالطائرة إلى الحرمين الشريفين ونيته أن يؤدي النسك أن يُحرم من جدة ،هذا رأي الفقهاء.

وتناول أبو سليمان قضية الرمي قبل الزوال فقال لو استعملنا الفقه الإسلامى بمرونة وبسعة فقه ما وقعنا في كثير من هذه المصائب صحيح رأي الجمهور أن الرمي بعد الزوال لكن هناك علماء وفقهاء ومذاهب علمية فقهية معتبرة ترى جواز الرمي قبل الزوال من بعد الفجر ، بل الإمام جعفر الصادق من كبار الأئمة وله مذهب الزيدية إلى جانب بعض من علماء الحنابلة والشافعية من يتبنى هذا وهو جواز الرمي قبل الزوال بل إن في العصر الحديث الشيخ عبدالله زيد آل محمود رحمه الله تعالى ، أوجد أدلة حديثة لم يسبق بها إلى جواز الرمي قبل الزوال ، وكون الرسول عليه الصلاة والسلام والصحابة كانوا حريصين على أن يكون الرّمي بعد الزوال لا يمنع ذلك أن يكون قبل الزوال ، ثم لا يوجد حديث أو نص صحيح صريح بوجوب الرمي بعد الزوال ، رأي الجمهور الرمي منع رمي الجمرات قبل زوال ، وهذا الذي عليه المذاهب الأربعة ولكن في المقابل علماء وفقهاء وفي مقدمتهم الإمام جعفر الصادق وبعض المذاهب وبعض فقهاء المذاهب الكبار في المذاهب الأربعة يقولون بجواز رمي الجمرات قبل الزوال أما في الفقه المعاصر، عندما حدثت الأحداث ستجد أنه شبه إجماع على جواز الرمي قبل الزوال .

وقال الدكتور ابو سليمان أما قضية المبيت بمنى كانت منى قبل هذه الأيام نحن المكّيين في أي مكان نضع خيامنا ونأخذ المساحات الواسعة والشاسعة حتى من لم يحج يذهب للتنزه بين الحجاج ويقضي ليالي سمر العيد هناك على أجمل حال أما اليوم فلا يجد له مكاناً حتى الذي يقوم بالواجب ، المبيت بمنى في المذاهب الفقهية معروف أنه واجب تركه يوجب الدم ما عدا مذهب الحنفية فيقولون إن المبيت سنة هذا الفقه القديم ، والفتوى المعاصرة الحقيقة أن المفتي العام للمملكة العربية السعودية الشيخ عبدالعزيز بن باز (رحمة الله عليه) أفتى بجواز المبيت خارج منى لمن لا يجد له مكاناً بمنى ، ولذلك يصح للحاج أن يستعمل هذه الفتوى بدلاً من الافتراش ومضايقة الحجيج .