جبل النور.. صخور عطرتها خطى النبي

 
“مكة وفيها جبل النور.. طلة على البيت المعمور”.. هكذا عبرت الكلمات الشعبية عن تلك البقعة المباركة.. فجبل النور الذي يحتضن بين جنباته غار حراء، هو أحد المعالم التاريخية البارزة بمكة المكرمة، لما له من خصوصية عظمى، فقد احتضن رسول الله صلى الله عليه وسلم لسنوات طويلة قبل تلقيه الأمر الرباني بالرسالة، وما زاد في خصوصيته أنه الموضع الذي استقبل فيه الرسول أول تكليف إلهي بالنبوة، عندما بلغه بذلك جبريل عليه السلام، فهو مهبط الوحي والقرآن الكريم. ويُقبل الزوار والمعتمرون وحجاج بيت الله الحرام لمشاهدة غار حراء، لاستشعار جلال الذكرى، وعبق المكان.

يقع جبل النور شمال شرق المسجد الحرام، ويطل على طريق العدل.. وقد سمي بهذا الاسم لظهور أنوار النبوة فيه، حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم يخلو فيه بنفسه ليعبد الله قبل البعثة في غار حراء. ويبلغ ارتفاع هذا الجبل 642 متراً، وينحدر انحداراً شديداً من 380 متراً حتى يصل إلى مستوى 500 متر، ثم يستمر في الانحدار على شكل زاوية قائمة حتى قمة الجبل وتبلغ مساحته خمسة كيلو مترات و250 متراً مربعاً. وذكرت بعض المصادر التاريخية أنه لا يوجد جبل بمكة ولا بمنطقة الحجاز ولا في الدنيا كلها يشبه جبل النور، فهو فريد الشكل والصورة، فقمته تشبه الطربوش الذي يلبس على الرأس أو كسنام الجمل، أو هو كالقبة الملساء وله حجارة مدببة، وفي أعلى قمة الجبل يظهر بوضوح التجويف الجبلي الكبير، أو الغار الذي اختبأ فيه الرسول وانطلقت منه الرسالة. وعبر فتحة صغيرة على شكل نافذة بهذا الغار تشاهد الكعبة المشرفة والمسجد الحرام، وتشاهد أم القرى بكاملها.

وغار حراء عبارة عن فجوة بابها باتجاه الشمال، طوله أربعة أذرع، وعرضه ذراع وثلاثة أرباع الذراع، يتسع للرجل البدين ويقف فيه الرجل الفارع ويتسع لبضعة رجال يصلون ويجلسون، والداخل للغار يكون متجهاً للكعبة مباشرة، ويتسع الغار لخمسة أشخاص جلوساً وارتفاعه قامة متوسطة. ويشرف جبل النور على أباطح مكة، ويبعد عن المسجد الحرام نحو عشرة كلم، وهو متميز بتشكيله الصخري الذي لا تخطئه أعين القاصدين، خصوصا المتجهين إلى مدينة الطائف عبر طريق السيل الكبير، وقد وصفه مسلم ابن خالد بأنه «جبل مبارك قد كان يُؤتى»، أي يأتيه الناس.

وللجبل فضائل أوردتها كتب التاريخ على أنه أحد الجبال الخمسة، التي بنى بها أبو الأنبياء إبراهيم الخليل عليه السلام الكعبة المشرفة، فقد أورد أبو الوليد الأزرقي في كتابه “أخبار مكة وما جاء فيها من آثار” عن سعيد عن قتادة في قوله عز وجل: «وإذ يرفع إبراهيم القواعد»، قال: “ذكر لنا أنه بناه من خمسة جبال: من طور سيناء، وطور زيتا، ولبنان، والجودي، وحراء. وذكر لنا أن قواعده من حراء”. كما أورد عن أنس ابن مالك أنه قال: “قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما تجلى الله عز وجل للجبل «طور سيناء» تشظى فطارت لطلعته ثلاثة أجبل فوقعت بمكة، وثلاثة أجبل فوقعت في المدينة، فوقع بمكة حراء وثبير وثور، ووقع بالمدينة أحد، وورقان، ورضوى”.

المصدر / جريدة المدينة / الجمعة, 26 يونيو 2009

حامد القرشي - مكة المكرمة تصوير - علي بخيت