“فرمان” .. نهاية بطل شجاع أنقذ 14 محتجزا في سيول جدة

لن تنسى جدة ذلك البطل الذي انقذ أنفسًا كادت ان تزهق في السيول الاخيرة، لن تنساه قلوب تعودت على الوفاء من ابناء هذه الارض الطيبة

لن تنسى جدة ذلك البطل الذي انقذ أنفسًا كادت ان تزهق في السيول الاخيرة، لن تنساه قلوب تعودت على الوفاء من ابناء هذه الارض الطيبة، رجل لم يكمل عقده الثالث من العمر قضى نحبه في سيل الاربعاء بعد ان صارع أمواجه ذهابا وايابا وأنقذ 14 شخصاً كانوا عالقين وسط مياه الامطار معلّقين على اغصان الاشجار في الكيلو 13 جنوب شرق جدة ، حيث ربط جسده المفتول بحبال ووثقها بأنابيب الصرف التي كانت مهملة على قارعة الطريق ولم تجد من يضعها في مكانها الصحيح، غير أن الموج الاسود غدر به في آخر جولة انقاذ ، ذلك هو المقيم الباكستاني (فرمان خان).

عاش بسيطا جدا
يقول رياض أحمد ابن خالة الشهيد : إن (فرمان) لم يكن ذا اهتمامات كبيرة او طموحات صعبة، كان طيب القلب تغلب عليه السماحة ودماثة الخلق مع جميع سكان الحي، وكان متواضعا الى درجة كبيرة، وعاش بسيطاً جدا من خلال البقالة التي يعمل بها منذ ساعات الفجر الاولى وحتى ساعة متأخرة من الليل، ولكن موته وألم فراقه هان علينا نحن أهله حيث شاهدناه وهو ينقذ الكثير من الانفس قبل أن يقضى نحبه وسط السيل الجارف.

قرية "وادي سوات"
ويقول ابن عمه أصغر خان: تزوج فرمان منذ سبع سنوات وانجب ثلاث بنات (زبيدة 7 سنوات ، مديحة 6 سنوات ، وجويرية 4 سنوات) والاخيرة لم يرها لأنه لم ينزل اجازة الى قريته الصغيرة (وادي سوات) منذ فترة طويلة، وكان يعتزم السفر إليهم إلا أن القدر كان أسرع.

الاتصال الأخير
ويقول صديقه المقرب (شاه خان) : إنه تلقى من فرمان اتصالا قبل موته، مشيرا الى ان ذلك الاتصال كان الاخير قبل ان ينتقل من الدنيا الى دار الخلود ، وانه طلب منه عدم الخروج من البيت بسبب مياه السيل التي غمرت شوارع الحي الداخلية وجرفت السيارات في طريق مكة جدة القديم ، واضاف ان فرمان أوصاه في اخر اتصال بينهما بأن يذهب الى دار ابن عمه للاحتماء من السيل والاحتفاظ بالدواء الذي اشتراه لوالدته في باكستان وايصاله لها وكأنه كان يشعر بأنه لن يتمكن من ايصال الدواء.
ويضيف شاه انه ترجّى فرمان ان يخرج من مياه السيل ولكنه أصر على مواصلة انقاذ المحتجزين.

خبر استشهاد "فرمان"
اما عمر فاروق واقبال خان وبخت رحمن فقد شاهدوا سيناريو استشهاد (فرمان) وذكروا لـ “المدينة” أنه ظل يوم استشهاده مستيقظا طوال الليل يقرأ القرآن الكريم، وقبيل آذان الفجر خرج مسرعا إلى المسجد المجاور للبقالة التي يعمل بها كبائع، وبعد الصلاة عاد إلى البيت وكان في قمة النشاط والانشراح والبشاشة، يداعب أصدقاءه وكأنه يودعهم، وبعد ان بدأ هطول الامطار وتدفق السيل على الحي لم نشاهده حتى وصلنا خبر وفاته من شباب الحي الذين حاولوا انقاذه ولكن قدرة الله سبحانه وتعالى فوق الجميع.

أمام مسجد الحي
يقول امام مسجد الحي الشيخ محمد عابدين : إن الشهيد الذي نحسبه كذلك عند الله لم تكن له أي مشاكل رغم أنه اعزب في بلاد الغربة ، بل على العكس تماما كان كثير الصلاة والذكر لله سبحانه وتعالى، ومن المواظبين على الصلوات جماعة في وقتها، اضافة الى مساعدة كل من يريد الاقتراض من البقالة من المعسرين من سكان الحي، وكان يوم استشهاده على غير العادة نشيطا جدا مستنير الوجه ولسانه رطبا بذكر الله، وحين هجم السيل على الحي كان في مقدمة المهرولين لانقاذ المحتجزين، وقد حاولت ان امنعه ولكن اصراره على هذا العمل الانساني فاق كل المحاولات لإثنائه عن المخاطرة بحياته.