مليباري: لا جدوى من وجود بيت للتشكيليين بمكة المكرمة

ظل الفنان التشكيلي زهير مليباري مهمومًا بتقديم نسق فني مغاير عن السائد والمألوف، الأمر الذي دفعه إلى تكوين جماعة فنية ضمت أبرز الأسماء الفنية في الساحة بلغت عددها 26 فنانًا..

الأربعاء, 14 أكتوبر 2009
خيراللـه زربان - جدة
 

ظل الفنان التشكيلي زهير مليباري مهمومًا بتقديم نسق فني مغاير عن السائد والمألوف، الأمر الذي دفعه إلى تكوين جماعة فنية ضمت أبرز الأسماء الفنية في الساحة بلغت عددها 26 فنانًا هدفت إلى تبني منهجية جديدة في الفن التشكيلي قائمة على طريقة أداء مبتكرة تجمع بين التلقائية في مزج الألوان واختلاطها وما ينتج من تداخلات لونية منسجمة ومتوافقة، وبين المقصود في توظيف بعض العناصر الكلاسيكية ذات البناء التشكيلي الرصين كالحرف العربية والعناصر الواقعية.. في هذا الحوار مع مليباري نقف على موقفه من التطور الذي تشهده الساحة التشكليلية السعودية، وسبب رفضه لقيام بيت للتشكيليين السعوديين ونظرته لفضاء الحرية الذي تتحرك فيه الساحة التشكيلية.. وغير ذلك من المحاور الأخرى..
* مشاركاتك من حيث العدد لا تتناسب مع عمرك في الساحة الفنية الذي يمتد لسنوات.. لِمَ؟
تشهد الساحة الفنية العديد من الفعاليات الفنية الخاصة والعامة، وهذا أمر إيجابي للحركة السعودية يعزز ما تشهده الساحة الثقافية والفنية من تطور محلي ودولي، يسجّل للقائمين على الثقافة والفنون في بلدنا المعطاء، وهي أيضًا ظاهرة صحية للفنان السعودي حيث تكون له مساحة أكبر وفرص أكثر في العرض والمشاركة، وأعتقد أن مشاركتي التي بدأت منذ عام 1398هـ من خلال المعارض الجماعية على المستوى المحلي أو الدولي، ولم أنقطع عن الساحة الفنية إلا عندما تفرغت لتحضير رسالة الماجستير في التربية الفنية عام (1410ـ 1414هـ ) فقط، وما زالت مشاركاتي مستمرة؛ حيث أقمت العام المنصرم المعرض الشخصي الأول، وشاركت في الملتقى الثقافي العربي، والعديد من المعارض الجماعية المحلية والدولية التي تقيمها جمعية الثقافة والفنون بجدة، فأنا حاضر في الساحة، ولم أنقطع عن الممارسة الفنية يومًا.
تطور وقيم مرعية
* ألمحت إلى تنامي النشاط التشكيلي السعودي.. فبأي شيء يتميز عن غيره.. وما هي الأفكار التي يسعى إلى ترجمتها.. وأي رسالة يحملها؟
ساهم المجتمع السعودي في إفراز المبدعين من مفكرين ومثقفين وفنيين وحرفيين، بتسجيل إبداعاتهم على صفحات أعمالهم الفنية المسجلة للمورثات الحضارية لخبراتهم المتراكمة التي وصلت إلينا عبر بوابات الزمن وما سمحت به، فأدت هذه المساهمات إلى ظهور نقلات نوعية وكيفية في حضارات الشعوب ونمو الرؤية الجديد للإنسان عامة وللفرد السعودي خاصة، فكان للفنان السعودي دور إيجابي وفعال لرؤية حاضره، ومعنى متفائل للمستقبل.. كما أن التشكيلي السعودي يستقي أفكار أطروحاته من معطيات عقيدته السمحة، وعادات بيئته ومجتمعه الخصب، وثقافته المنفتحة على العالم من خلال وسائل الإعلام المرئي والمسموع والمقروء، فتجيء أعماله محملة بكل ما يهم أفراد المجتمع ويرضي طموح المتلقي ويرسم بعدًا حضاريًّا يحلق في أرجاء المستقبل.
ومعلوم أن تطور الأساليب الفنية عبر الزمن في الحضارات الإنسانية المختلفة يدل دلالة واضحة على تطور الجنس البشري وهذه سمة من السمات التي تفرضها الحياة، ويتم التطور عادة من مختلف التجارب المتراكمة وخبرات هذا الجنس الذي وقف صامدًا أمام قوة الطبيعة مفكرًا في بعض معطياتها التي تهمه عبر امتداد طويل من تاريخه، فكانت الإفرازات الفكرية للعقل البشرية أدت إلى تقييم المعرفة والعلوم، وفتح آفاق الثقافة أمامه. فإذا صح لنا القول: (لا فن بلا إنسان)، وجب كذلك القول: (لا إنسان بلا فن)، فالفن والإنسان عنصران متلازمان لا يمكن فصل أحدهما عن الآخر، لأن تاريخهما واحد، وعمر الفن يوشك أن يكون هو نفسه عمر الإنسان، ولا يستطيع الفرد العيش بمعزل عن القيم الفنية وجماليات الطبيعة الخلابة، والتي تحيط به من كل حدب وصوب، وتقدم له المرة تلو الأخرى الجرعات الجمالية التأملية المتتالية المنتظمة طيلة أوقات صحوه ونومه، فالفن والإنسان يسعيان إلى تحقيق هدف واحد هو تحقيق الالتزام بينهما والتأثر المتبادل في علاقتهما الديناميكية التي تشكل معطياتها دائمًا وفقًا للظروف الحضارية التي يعيشها الفرد داخل المجتمع وما يفرضه هذا المجتمع من ضوابط تساعده على فهم الحياة فهمًا صحيحًا بما يطلب من معطيات تؤدي به إلى التقدم والتطور المنشود .
* وفي أي فضاء من الحرية يحلّق الفنان السعودي؟
وثمة قيمة جديدة ينشدها الفنان السعودي مع الفنانين المعاصرين في أعماله الفنية تكمن في الشطحات اللونية والانطلاقات الخطية، والتي دخلت على أجواء الفن التشكيلي العالمي منذ أوائل القرن التاسع عشر ميلادي، فتشجع أهل الفن بهذا على عمل لوحات فنية تبدو للوهلة الأولى أنها من الشخبطات اللا إرادية ذات جراءة كبيرة في التعامل مع الموضوعات الفنية وذلك من خلال الأدوات والأصباغ لتترجم عناصر التشكيل في العمل الفني بكل تحرر وانطلاقة، أو بدون قيد وشرط للفنان لإظهار بعد فني جديد لديه، وإخراجه من صرامة القواعد والأسس الأكاديمية التقليدية، إلى رحاب أوسع ومجال أفضل للتعبير عن الأحاسيس والمشاعر التي يشترك بها مع سائر مجتمعه وأناسه وأمته، فتأتي الأعمال لها عمق فني وبعد اجتماعي ولمسة جمالية جديدة يتقبلها النقاد ويستشعرها المتلقي ويحس بها الفنان، لأنها نابعة عن تجربة كبيرة وممارسة طويلة وأصالة عميقة.
* أين التشكيلية السعودية مما تشير إليه؟
حظيت التشكيلية السعودية في الآونة الأخير بالاهتمام الكبير من قبل حكومتنا الرشيدة أيدها الله ورعاها، وذلك من خلال المشاركات في المعارض الفنية المحلية والدولية، وأيضًا تخصيص معارض شخصية لها أو معارض جماعية للفنانات فقط، وغدت التشكيلية السعودية تستحوذ على نصيب كبير من الرعاية و الاهتمام، يضاهي نصيب الفنان التشكيلي السعودي.
نهج فني جديد
* من واقع إشرافك على مجموعة تشكيلية بمكة المكرمة.. فما هي أهدافكم وماذا قدمتم؟
كان هناك حلم يتردد على أفكاري طيلة مشواري الفني ولقد تحقق ولله الحمد على يد محبين وممارسين للفن التشكيلي من أبناء مكة المكرمة، ويكمن هذا في تبني منهجية جديدة في الفن التشكيلي قائمة على طريقة أداء مبتكرة تجمع بين التلقائية في مزج الألوان واختلاطها وما ينتج من تداخلات لونية منسجمة ومتوافقة، وبين المقصود في توظيف بعض العناصر الكلاسيكية ذات البناء التشكيلي الرصين كالحرف العربية والعناصر الواقعية، فكانت هذه المجموعة منذ عام 1416هـ، والتي ضمت أكثر من الأسماء الفنية اللامعة اليوم، ما بين تشكيليين وخطاطين؛ أمثال إبراهيم العرافي وعبدالشكور شاكر وراشد الشعشعي ونذير ياوز وخالد بايونس وشاهر الشهري ومحمد نور قنزر، والعديد من التشكيليين والخطاطين يصل عددهم إلى 26 فنانًا، و مازال أكثرهم يمارسون هذا الأسلوب المبتكر.
* لماذا يعرض فنانو مكة أعمالهم في جدة.. وماذا يؤخر قيام بيت التشكيليين بمكة؟
تكمن أهمية عرض الأعمال الفنية في تقديمها إلى المتلقي المطلق، ولا يخفى علينا أن العملية الفنية تقوم على ثلاث ركائز هي الفنان والعمل الفني والمتلقي، فبسقوط أو ضياع أو تجاهل واحدة من هذه الركائز لا تتم العملية الفنية، وتنصب اهتمامات قاصدي (المتلقي) مكة المكرمة في زيارة بيت الله الحرام، ولا يدور في خلده مشاهدة أعمال فنية أو زيارة معارض لفناني مكة المكرمة، ويغيب على كثير من المتلقين هذا، فيلجأ فنانو مكة المكرمة للعرض بمدينة جدة كمدينة بها كل ما يتطلع ويصبو إليه الفنان، فيتمم بذلك ركائز العملية الفنية. ويساعد على ذلك أن مكة المكرمة لا تبعد عن مدينة جدة كثيرًا، حيث تواجد فنانوها في جميع المعارض والمهرجانات والمسابقات الخاصة والعامة للفن التشكيلي المقامة في مدينة جدة، ولا يجد الفنان صعوبة في الوصول أو المشاركة، وكثير من فناني مكة المكرمة هم أعضاء في الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون، وبيت التشكيليين بجدة؛ بل هم من أهم الأعضاء.
أما بخصوص تأخر بيت التشكيليين بمكة المكرمة فلخصوصية هذه البقعة المباركة ومكانتها الدينية أرى عدم الجدوى من وجود بيت آخر للتشكيليين يقرب من البيت القائم حاليًا.