في توثيق تاريخي .. دارة الملك عبدالعزيز تصدر كتابا عن العلاقات السعودية اليابانية
مواكبة مع زيارة الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع لليابان، أصدرت دارة الملك عبدالعزيز كتابا تحت عنوان "العلاقات السعودية اليابانية.. جذور تاريخية ورؤية للمستقبل"، باللغتين العربية واليابانية، تناول أبرز جوانب تاريخ العلاقات السعودية اليابانية وبداية تأسيسها ومستقبلها.
وأبرز الكتاب مجموعة من الزيارات الرسمية ونتائجها خلال العقود الماضية التي تصدرتها زيارة رئيس وزراء اليابان، ريوتارو هاشيموتو، إلى المملكة العربية السعودية في 1997م، ونتج عنها صياغة مشروع الشراكة الشاملة نحو القرن الـ 21، وزيارة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - رحمه الله - عندما كان وليًا للعهد إلى اليابان، وتوقيع مذكرة التعاون السعودي الياباني مع رئيس الوزراء كييزو أوبوتشي، والمبادرات الثلاث التي أعلنها وزير الخارجية الياباني يوهي كونو عند زيارته للمملكة في 2001م، في مجالات تشجيع الحوار بين الحضارات مع العالم الإسلامي، وتطوير مصادر المياه والحوار السياسي الواسع المتقدم.
كما رصد الكتاب زيارة الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز إلى طوكيو، والتي ازدادت فيها هذه العلاقات تطورا وصلابة، ثم زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى اليابان لصياغة المستقبل لهذه العلاقات، وكان لجمعية الصداقة السعودية - اليابانية إسهام في نشر النسخة اليابانية من الكتاب الذي أعده الأمين العام المكلف لدارة الملك عبدالعزيز الدكتور فهد بن عبدالله السماري.
ويعود أول توثيق لزيارة ياباني إلى الجزيرة العربية، وفقا للكتاب، إلى ياماوكا كوتارو Kotaro Yamaoka، المسلم الياباني الذي سمى نفسه باسم "عمر" ورحل لأداء فريضة الحج مع حجاج من منغوليا عام 1909م، وقد نشرت تفاصيل رحلته وأدائه الحج عام 1912م في كتاب بعنوان "judanki Arabiya: shinpikyo no Sekai"، ويعد تاناكا إيبيه Ipei Tanaka الشخصية اليابانية الثانية التي تزور الجزيرة العربية لأداء الحج في 1924م، ثم في 1933م، ونشر تاناكا تفصيلات رحلته في كتاب بعنوان "Isramu yuki-Un Haku Junrei" في 1925م.
وكان تاناكا أستاذا محاضرا في معهد الثقافات الشرقية، وتحدث كثيرا عن أمله في تقوية العلاقات بين اليابان والجزيرة العربية، ونصح مسلمي اليابان ببذل الجهود لدعم العلاقات بين اليابان والمملكة العربية السعودية، ومن تلاميذه وممن رافقه إلى الحج شخصيتان يابانيتان هما: إينوموتو موموتارو، وتاكيشي سوزوكي الذي كان يسمى محمد صالح، حيث نشر موموتارو رحلته في عام 1939م بعنوان: يوميات الحج إلى مكة Junreiki Mekka، ونشر سوزوكي رحلته في عام 1943م بعنوان: الحج إلى مكة Junrei Mekka Seichi، التي نشرت ترجمتها إلى العربية مكتبة الملك عبدالعزيز العامة في عام 1419هـ / 1999م، وتضمنت وصفا للقائه الملك عبدالعزيز - رحمه الله - في مكة المكرمة وإعجابه بشخصيته وقوله: إن الملك عبدالعزيز رجل لا يقهر، وإن النصر حليفه حيث مضى، كما تشـير الرحلة إلى أن سـوزوكي عندما وصل إلى مكة في رحلته الثالثة للحج في عام 1938م قابل الملك عبدالعزيز، وعندما صافحه انهمرت الدموع من عينيه وأوقفه الملك إلى جانبه وهو يصافح بقية الضيوف تعبيرا عن تقديره للمسلم القادم من أقاصي آسيا ووفاء لمشاعره التي عبر عنها بالدموع التي غلبته.
ورصد الكتاب أول الاتصالات الرسمية بين المملكة العربية السعودية واليابان عام 1934م، حينما كتب معتمد المملكة في مصر، فوزان السابق، إلى وزارة الخارجية السعودية في 1 / 8 / 1934م أنه سيقابل السكرتير الأول للقنصلية اليابانية العامة في الإسكندرية يوم 22 من الشهر نفسه، وأنه سيفيد وزارة الخارجية السعودية بأسباب الزيارة ومضمون المقابلة، وأرفق مع خطابه صورة للمعاهدة اليابانية التي سبق أن قدمها إليه وزير اليابان المفوض في رومانيا، والتي سبق أن رفعت للملك عبدالعزيز في 20 / 7 / 1927م.
وأشار الكتاب إلى ما يدل على اهتمام وزارة الخارجية السعودية بموضوع العلاقات مع اليابان، بتوجيه المعتمد السعودي في مصر لمتابعة الموضوع مع السكرتير الأول للقنصلية اليابانية في الإسكندرية، لينقل على إثر ذلك موضوع الاتفاقية السعودية اليابانية إلى المفوضية السعودية في لندن، وذلك عام 1935م، وأفاد القائم بالأعمال في المفوضية محمـود رياض زاده، بأنه جرى اتصال بينه وبين السفارة اليابانية في لندن لمتابعة مشروع عقد معاهدة تجارية بين المملكة العربية السعودية واليابان.
وسرد الكتاب مواصلة الحكومة السعودية اهتمامها بمشروع المعاهدة التجارية وإرسالها نسخة من المشروع القديم للمعاهدة، وزودت مدير الشؤون الخارجية فؤاد حمزة بنسخة منها، وطلبت الإفادة بالرأي حيال هذا المشروع، وفي 30 / 8 / 1934م نقل حافظ وهبة المفوض السعودي في لندن إلى وزارة الخارجية السعودية رغبة الحكومة اليابانية في توقيع معاهدة صداقة وتجارة، مشيرا إلى أن أساس هذا الموضوع كان منذ ثلاث سنوات عندما التقى أحد أعضاء السفارة اليابانية أحد المسؤولين السعوديين، وأفاد برغبة الملك عبدالعزيز في عقد اتفاقية صداقة وتجارة.
ووثق الكتاب نشاط العلاقة السعودية اليابانية في عام 1934م، التي من مظاهرها الإعلان عن عزم بعثة يابانية زيارة المملكة لاختيار شبان سعوديين لتعليمهم وتدريبهم في اليابان، ووجدت اليابان في عام 1938م أن الفرصة مهيأة لمعاودة الاتصالات مع المملكة العربية السعودية لتأسيس علاقات دبلوماسية، فقدمت دعوة للملك عبدالعزيز لحضور افتتاح المركز الإسلامي في طوكيو الذي بناه المسلمون اليابانيون، تعبيرا عن تقدير اليابان لدعم المملكة ومساندتها للمسلمين في اليابان، ولكون المملكة تحتضن مكة المكرمـة قبلة المسلمين، وفوض الملك عبدالعزيز نيابة عنه سفيره في بريطانيا حافظ وهبة للمشاركة في هذه المناسبة، وعبر عن تقدير المملكة لليابان لاهتمامها بالمسلمين.
وخصص الكتاب حيزا لبدء التعاون الاقتصادي بين المملكة واليابان، وإرسال الحكومة اليابانية الوزير المفوض الياباني في القاهرة، ماسا يوكي يوكوياما Yokoyama Masayuki، إلى الرياض في مارس 1939م، على رأس وفد ضم إيجيرو ناكانو، والتقى الملك عبدالعزيز - رحمه الله - وعرض على الحكومة السعودية العمل لتنفيذ مسودة الاتفاقية الاقتصادية، وبعد نقاش جرى بينه وبين مستشاري الملك عبدالعزيز، تم الاتفاق على تعديل المسودة السابقة لمعاهدة الصداقة والتجارة لتنص على شراء اليابان حصة محدودة من الصادرات السعودية، حيث تشير الوثائق المتعلقة بمباحثات الوزير الياباني المفوض مع وزارة الخارجية السعودية، إلى أن المملكة العربية السعودية أرادت تضمين الاتفاقية الاقتصادية بين البلدين شراء اليابان كميات من التمور التي تنتج في الأحساء، وأن تتولى الحكومة اليابانية تشجيع رعاياها من المسلمين على تأدية فريضة الحج، وتشـير الوثائق إلى أن من أهداف زيارة الوزير الياباني المفوض للرياض عقد مباحثات مع الملك عبدالعزيز، وذلك للسماح بفتح مفوضية يابانية في جدة لتقوية العلاقات السعودية اليابانية وتسهيل وصول الحجاج اليابانيين، وتعد هذه أول زيارة رسمية يجريها مسؤولون في الخارجية اليابانية إلى المملكة.
وثق الكتاب أهمية هذه الرحلة بوصفها وثيقة تاريخية مهمة، حيث تولت دارة الملك عبدالعزيز ترجمتها إلى اللغة العربية بعنوان "الرحلة اليابانية إلى الجزيرة العربية" في عام 1999م، توثيقا للعلاقات السعودية اليابانية من جهة، ودفعا للباحثين إلى مزيد من المعرفة عن تاريخ العلاقات السعودية اليابانية من جهة أخرى، فلم ينس التاريخ موقف الملك فهد بن عبدالعزيز –رحمه الله- عندما شارك في مراسم تتويج الملكة إليزابيث الثانية في لندن في عام 1953م نيابة عن والده الملك عبدالعزيز، حيث وجد أن ولي عهد اليابان أكيهيتو جاء بعده في ترتيب الجلوس، وفق بروتوكول القصر الملكي الإنجليزي، ثم سمح بتقديمه ليسبقه في الترتيب بناء على مكانته وليا للعهد، وحفظت الإمبراطورية اليابانية هذا الموقف وقررت تقديرا لذلك أن تكون المملكة العربية السعودية البلد الأول الذي يزوره ولي العهد الياباني وأن يصبح ذلك تقليدا دائما لكل ولاة العهد في اليابان.
ووقف الكتاب على بداية العلاقات الدبلوماسية السعودية - اليابانية بشكل رسمي وذلك في عام 1957م حينما عين أول وزير ياباني مفوض في المملكة العربية السعودية، توسيدا يوتاكا الذي باشر عمله في 4 يناير 1957م، ومع أنه كان وزيرا مفوضا لم يختص بالمملكة بل بمصر وسوريا والحبشة، فإن هذه البداية خطت بالعلاقات السعودية اليابانية خطوات متقدمة وفاعلة في تطوير العلاقات السعودية اليابانية، وكان من الطبيعي أن تبادر المملكة العربية السعودية إلى إنشاء مفوضية سعودية في اليابان كعرف دبلوماسي، وخطت خطوات أبعد من ذلك حينما افتتحت في العام نفسه - أي عام 1957م - سفارة لها في اليابان، وتعيين أسعد الفقيه سفيرا فوق العادة ومفوضا سعوديا لدى اليابان، وتأكيدا للعلاقة السعودية اليابانية وتطورها، رفعت المفوضية اليابانية في المملكة إلى السفارة، وعينت اليابان سفيرا لها في المملكة.