قصة المستشرق الهولندي الذي أقام في مكة وألف أول كتاب مصور عن المدينة

" أشهر الصور التي التقطت للمدينة المقدسة وأولها هي مجموعة الصور التي التقطها المصور المصري صادق بيه في عام 1881 وحصل على الميدالية الذهبية ببينالي فينيسا عنها .. "

شهدت مكة المكرمة عبر تاريخها تدفق الملايين من الحجاج والمعتمرين من جميع الجنسيات والأعراق وسجلت الكتب والصور تفاصيل كثيرة عن رحلاتهم، ولكن يبقى للصور الأولى التي التقطت في نهايات القرن التاسع عشر رونقها ومكانها المميز في التاريخ. ولعل أشهر الصور التي التقطت للمدينة المقدسة وأولها هي مجموعة الصور التي التقطها المصور المصري صادق بيه في عام 1881 وحصل على الميدالية الذهبية ببينالي فينيسا عنها. ومن بعد صادق بيه كان هناك عدد قليل من الصور للمدينة برز منها مجموعة التقطها مستشرق هولندي اعتنق الإسلام في عام 1884 وعاش في مكة لأشهر في ضيافة طبيب من مكة يدعى عبد الغفار، وهو نفس الاسم الذي اتخذه المستشرق لنفسه.

ولكن لنعد لبداية قصة المستشرق الهولندي ويدعى سنوك هرخرونيه وكتبه المصورة عن مكة والحج، القصة يرويها لنا ريتشارد فاتوريني مدير قسم الكتب والأطالس بدار «سوذبيز». الجدير بالذكر أن الدار قدمت في العام الماضي عدداً من الصور المأخوذة من كتب هرخرونيه وتلميذه الطبيب المكي عبد الغفار. وفي مزادها الأسبوع المقبل تعود للمستشرق الهولندي ولكن لتقدم النسخة الأصلية الكاملة المكونة من مجلدين من كتابه المصور عن مكة المكرمة. وحسب المعلومات الموجودة في كتب التاريخ نعرف أن سنوك هرخرونيه أقام في مدينة جدة عام 1884 لمدة سبعة أشهر، واعتنق الإسلام على يد قاضي جدة الشيخ إسماعيل أغا، وسمى نفسه عبد الغفار. ويقول المؤرخون، إن هرخرونيه ادعى اعتناق الإسلام ليتسنى له الدخول إلى مكة، وفعل ذلك وأقام بها لأشهر ودرس على أيدي علماء مكة. وتمكن هرخرونيه من جمع معلومات كثيرة مكّنته من تأليف كتاب سماه «صفحات من تاريخ مكة». وبسبب شكوك كثيرة حول نيته من دخول مكة والتشكيك في إسلامه طلب شريف مكة من هرخرونيه مغادرة مكة ليعود إلى هولندا. وقبل رحيله قام هرخرونيه بتعليم الطبيب عبد الغفار التصوير وترك له معدات التصوير الخاصة به وطلب من الدكتور السيد عبد الغفار أن يلتقط مجموعة من الصور لمكة ولمنى ومواقع الحجيج، وأن يرسلها له بالبريد.

يقول فاتوريني إن هرخرونيه اضطر لمغادرة مكة في عام 1885 قبل أن يتسنى له تصوير صور الحج والحجاج القادمين من المستعمرات الهولندية في جنوب شرقي آسيا وهو كان من أهم أهدافه ويشير إلى أن هرخرونيه اتهم بسرقة قطعة أثرية وتم إقصاؤه عن مكة. المهم في القصة هو أن المستشرق كان قد نجح في إقامة استوديو في منزل الطبيب المكي عبد الغفار ونجح في التقاط صور لعدد من سكان المدينة وزوار لمكة من عدد من الدول، وهي الصور التي نراها اليوم في قاعة بدار سوذبيز. وعلى طاولة خشبية نجد أمامنا المجلدات الكاملة التي تروي بالصور رحلة هرخرونيه للمدينة المقدسة.

أسأل فاتوريني :«ما الذي يجعل هذه المجموعة متميزة، إذا كانت الصور الموجودة بها قد نشرت من قبل في نسخ من الكتاب؟»، يجيب: «عندما توفي هرخرونيه في عام 1936 أوصى بمنزله ومكتبته لجامعة ليدن بهولندا، ولكنه ترك نسخته الخاصة من مجلدات كتابه عن مكة لزوجته، وهي النسخة التي تعرض للبيع الأسبوع المقبل. الكتاب لم يعرض من قبل للبيع حيث احتفظت به عائلته حتى الآن ولم أعرف بوجوده حتى وصلني إيميل في شهر يناير (كانون الثاني) الماضي عنه. الكتاب مهم لأنه نسخة المؤلف الخاصة التي تصفحها بنفسه وعرضها على أصدقائه. بالنسبة لنا فهذه معلومة قيمة جداً».

من الصور المميزة في الكتاب صورة لسيدة من مكة ترتدي الملابس التراثية، وصور لرجال من مصر ومن بغداد ومن عمان، يعلق الخبير هنا: «هذا ما كان يثير اهتمام هرخرونيه، التنوع في الثقافة الإسلامية، قد تكون عملية التقاط هذه الصور استغرقت أسابيع من إقناع هؤلاء الأشخاص بالجلوس للتصوير ربما للمرة الأولى في حياتهم».

مكة والمدينة بعدسة صبحي صالح

إلى جانب مجلد هرخرونيه يضم المزاد عدداً من الصور الأخرى عن مكة والمدينة التقطها المصري صبحي صالح الموظف بوزارة الصحة المصرية وكان ضمن الوفد المصري الرسمي للحج في عام 1888 - 1891. تضم المجموعة لقطات مختلفة للكعبة ولقطات للمسجد النبوي ولقطات من مدينة جدة للمحمل الذي كان ينقل كسوة الكعبة. كما يضم المزاد عدداً آخر من الصور للكعبة والحرم التقطت في بدايات القرن العشرين.