شارع 204 ذاكرة الحج والشهادة
فجعت السعودية والعالم الإسلامي أمس بحادث تدافع بين مئات الحجاج في شارع 204 في مشعر منى
فجعت السعودية والعالم الإسلامي أمس بحادث تدافع بين مئات الحجاج في شارع 204 في مشعر منى، إذ التقت كتل بشرية متجهة إلى منشأة الجمرات لرمي جمرة العقبة، مما أدى إلى وفاة 717 حاجا وإصابة 863 آخرين (حتى إعداد هذا التقرير) من جنسيات مختلفة لم يعلن عنها بعد.
واستنفرت الجهات السعودية جهودها منذ لحظة ورود البلاغ، فشارك في عمليات الإنقاذ والإسعاف وإخلاء الضحايا أكثر من 4 آلاف عنصر ونحو 2000 آلية، عملوا أكثر من 6 ساعات في نقلهم، كما رفعت الجهات الأمنية والخدمية حالة الاستعداد القصوى للتعامل مع الحادث، وتفكيك الكتل البشرية من الزحام وتنظيم سير المشاة.
وخالفت الحادثة كل التوقعات في المكان الذي أثبت خلال سنوات الحج سلاسته وانسيابيته في تحرك الحجاج الذين يقصدون الجمرات، وهو يبعد عن الجمرات كيلومترا ونصف الكيلومتر في محاذاة طريق الملك خالد، ويقسم منى إلى نصفين.
وكذلك كان مفاجئا لناحية الزمن، إذ طالما كان يوم العاشر من ذي الحجة في كل المواسم خارج دائرة الخطر، لأن الحجاج يبدؤون في رمي جمرة العقبة من منتصف ليلة العاشر، حيث يبيت بعض الحجاج في مزدلفة حتى بعد منتصف الليل، ويتعجلون لرمي الجمرة في أولى مراحل التحلل من الإحرام، وتستمر تدفقات الرماة على الجمرات حتى مساء يوم الحادي عشر في مدة تتجاوز أكثر من 20 ساعة.
الفيصل في الموقع
ووقف مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة رئيس لجنة الحج المركزية على موقع الحادث، وتفقد عمليات الإنقاذ وأعمال الأجهزة الأمنية والطبية المشاركة في الحج، وانتقل بعد ذلك إلى مستشفى منى الجسر للاطمئنان على حالات المصابين في الحادثة.
لجنة تحقيق عليا في تدافع منى
رأس ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية رئيس لجنة الحج العليا الأمير محمد بن نايف اجتماعا طارئا للقيادات الأمنية المشاركة في أعمال الحج، بمقر وزارة الداخلية بمنى بعد ظهر أمس، لبحث موضوع الحادث الذي وقع للحجاج بمشعر منى، ونتج عنه عدد من الوفيات والإصابات، وذلك للوقوف على الأسباب الحقيقية التي أدت إلى وقوع الحادث الأليم. ووجه ولي العهد بتشكيل لجنة تحقيق عليا لتتولى التحقيق في هذا الحادث ومسبباته، وصولا إلى معرفة الحقيقة، والرفع بما يتم التوصل إليه من نتائج ومرئيات إلى مقام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز للتوجيه بما يراه النظر الكريم. وسأل الله العلي القدير أن يتغمد المتوفين منهم بواسع رحمته، وأن يلهم ذويهم الصبر والسلوان، وأن يمن على المصابين بالشفاء العاجل، إنه ولي ذلك والقادر عليه. وكان ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف تفقد مساء أمس الأول، استعدادات قوات الأمن الخاصة المشاركة في مهام حج هذا العام، وذلك في إطار الاطمئنان على جاهزية قوات الأمن الخاصة ودعما للروح المعنوية لمنسوبي القوات. وفور وصول ولي العهد صافح منسوبي قوات الأمن الخاصة من ضباط وضباط صف وأفراد. بعدها توجه لصالة الضيافة بمقر وزارة الداخلية في مكة المكرمة، حيث ألقى قائد قوات الأمن الخاصة اللواء ركن مفلح العتيبي كلمة رحب خلالها به، وقدم شرحا موجزا عن طبيعة المهمات لقوات الأمن الخاصة، وكذلك أداء بعض الآليات التي تم تأمينها أخيرا في سبيل تدعيم وتحديث أدائهم لمهماتهم سواء في مهمة الحج أو أي مهمات أمنية أخرى. وأشاد الأمير محمد بن نايف بالروح المعنوية العالية التي شاهدها على محيا منسوبي قوات الأمن الخاصة المشاركين في مهمة الحج، داعيا الجميع إلى بذل المزيد من الجهود. بعد ذلك شرف ولي العهد مأدبة العشاء التي أقيمت بهذه المناسبة.
4 أسباب لارتفاع عدد الوفيات والإصابات
تجمعت لدى «مكة» من مصادر عدة وشهود عيان رواية عن عوامل وقوع حادثة التدافع في مشعر منى أمس والتي أدت إلى وفاة وإصابة المئات نتيجة اصطدام كتلتين بشريتين كبيرتين وجها لوجه في شارع 204 في مشعر منى، والأسباب التي أدت إلى ارتفاع أعداد الضحايا، على أن تظهر التحقيقات التي باشرتها السلطات السعودية حقيقة ما حصل، في حين حصر الخبير الصحي الدكتور محمد الجاسر 5 أسباب رئيسة أدت إلى ارتفاع أعداد المتوفين والمصابين في حادثة التدافع بمنى، هي:
- ارتفاع حرارة الشمس
- محاولة الهروب من عنق الزجاجة
- مرض السكر والضغط عند كبار السن
- محاولة حماية الأطفال من التدافع
شارع 204 يتحمل عبء إغلاق 206 الموازي
أرجع عدد من شهود العيان وبعض الجهات الرسمية التدافع الذي شهده شارع 204 في مشعر منى أمس، إلى عدم نفوذ الشارع المجاور له 206 من الجهة الشرقية لوجود خيام في نهايته، الأمر الذي يقود الحجاج المتوجهين إلى منشأة الجمرات إجباريا إلى اليسار عبر شارع 223 المؤدي إلى 204 لتلتقي جموع الحجيج في نقطة ضيقة وممتلئة ومحاطة بالمخيمات، مما يعيق عملية الخروج منه إلى شوارع أخرى نافذة.
ويعد شارع 204 الذي شهد حالة تدافع الحجاج، أحد المسارات التي تربط خيام مشعر منى بجسر الجمرات، وهو من الشوارع المخصصة لاستخدام حجاج المخيمات المحيطة به، كونه غير نافذ من الجهة الشمالية للسيارات، وذلك لارتباطه بمنشأة الجمرات المخصصة للمشاة دون أي مسارات مخصصة للمركبات.
ويمثل شارع 204 امتدادا لشارع 406 القادم من مشعر مزدلفة، والمرتبط من الجهة الجنوبية بالطريق الدائري الرابع، وهو من الشوارع غير الرئيسة التي تربط مشعر مزدلفة بمنى والجمرات، ويستخدم عادة للمشاة، والحافلات في إيصال حجاجها وترحيلهم.
وتحيط بالشارع 204 الذي يبعد عن جسر الجمرات 1.5 كلم 7 منشآت حكومية صحية وتوعوية وإرشادية. فالشارع الذي يشكل طريقا فرعيا بين طريقي الملك فهد 68 شرقا و 62 المسمى بسوق العرب غربا و 25 جسر الملك عبدالله جنوبا، والجمرات شمالا، خطف بحادثه المأسوي الضوء من منشأة الجمرات التي أنفقت عليها الحكومة السعودية نحو 4.2 مليارات لتضع حدا لحوادث الوفيات فيه.
وجمرة العقبة لم تكن تشكل خطرا في انتقال الحجاج إليها بعد مغادرتهم مشعر مزدلفة، لأنهم يرمون ابتداء من منتصف ليلة التاسع من ذي الحجة ويمتد الرمي إلى نهاية يوم عيد الأضحى.
ومنذ بناء الجسر قبل 11 عاما، لم يقع أي حادث في الجسر حتى في ثاني أيام التشريق الذي يتعجل فيه ملايين الحجاج إذ صمم في شكل متطور يقوم على تفكيك الكتل البشرية وانسيابيتها في رمي الجمرات الث الث ثم مغادرتهم سالمين.
وبلغ طول جسر الجمرات الجديد 950 مترا وعرضه 80 مترا، ويتألف من خمسة طوابق يبلغ ارتفاع كل طابق 12 مترا، وله 12 مدخ ال و 12 مخرجا من الاتجاهات الأربعة، بالإضافة إلى منافذ للطوارئ على أساس تفويج 300 ألف حاج في الساعة.
كما يشتمل على كاميرات مراقبة تعمل باستمرار في جميع أنحاء المنشأة وفي منطقة تدفق الحشود، وحركة الحجيج يتم تغطيتها عبر 520 كاميرا، تُدار عبر 70 شاشة داخل مركز المراقبة، بواسطة نخبة من ضباط وأفراد القوات الذين لديهم التدريب والخبرات اللازمة لإدارة هذه التجهيزات، على مدار الساعة طوال فترة الحج.
وتم تزويد منشأة الجمرات بمهبط لطائرات مروحية لحالات الطوارئ ونظام تبريد متطور يعمل بنظام التكييف الصحراوي يضخ نوعا من الرذاذ على الحجاج والمناطق المحيطة الجمرات مما يؤدي لخفض درجة الحرارة إلى نحو 29 درجة، وأنفاق أرضية - ، وفي المستوى الخامس من المنشأة تمت إضافة مظلات كبيرة لتغطية كل موقع من مواقع الجمرات الثلاثة، وذلك لتعزيز راحة الحجاج وحمايتهم من أشعة الشمس.
ورافق مشروع تطوير جسر الجمرات تنفيذ مشاريع جديدة في منطقة الجمرات شملت إعادة تنظيم المنطقة وتسهيل عملية الدخول إلى الجسر عبر توزيعها على 6 اتجاهات منها 3 من الناحية الجنوبية و 3 من الناحية الشمالية وتنظيم الساحات المحيطة بجسر الجمرات لتفادي التجمعات بها والسيطرة على ظاهرة الافتراش حول الجسر إلى جانب مسارات الحجاج.
وسيساعد المشروع على تنظيم وتخصيص الأماكن المناسبة للخدمات مثل الأغذية وأماكن الحلاقة ودورات المياه والخدمات الطبية والإسعافية وقوات الدفاع المدني والأمن العام.
ويوجد بمشعر منى أكثر من 10 شوارع غير رئيسة تغيب عنها السيارات طوال أيام الحج، سوى الإعاشة والخدمات الخاصة، ويذهب منها الحجاج ذهابا وإيابا في طريقهم إلى الجمرات.
3 مراحل لنقل مصابي الحادث
اتخذت وزارة الصحة عددا من الإجراءات من أجل مباشرة مصابي حادثة الشارع 204 في منى أمس، وفقا لمتغيرات الحدث وما تقتضيه الحاجة. فمنذ أن ورد بلاغ عن الحادث استنفرت كل الجهود الإسعافية والأمنية والصحية، وحضرت أكثر من فرقة إلى موقع الحادث وعملت على نقل المصابين بسرعة إلى مستشفيات المشاعر، فيما استدعيت كل الكوادر من أطباء وممرضين وأخصائيين من أجل مباشرة الحالات وعلاجها. كما أن الحالات المباشرة تم فرزها في المستشفيات على حسب الحالة وخطورتها وأعطيت الأولوية للحالات الخطيرة والإنعاش، فيما استمر الهلال الأحمر في نقل الجرحى والمصابين حتى الساعة الثالثة عصرا، منذ بداية مباشرة الحالات في العاشرة صباحا. وحرص الأطباء على تخفيف آلام المرضى من خلال التعامل الإنساني الخلاق الذي بدا عليه المشهد في مستشفيات منى، حيث يرى بعضهم يعانق مرضى، ويطمئن أهاليهم، الأمر الذي هدأ من روع المصابين. من جهة أخرى، دعمت وزارة الصحة 17 مركزا للطوارئ بجسر الجمرات بالكوادر المؤهلة والأجهزة الحديثة والأدوية والمستلزمات الطبية وسيارات الإسعاف. وأوضح عضو لجنة الإشراف الفني بالحج المشرف على المراكز الصحية في المشاعر الدكتور عمر اليحيى، أن المراكز الصحية ف الجسر يعمل بها 45 طبيبا و 65 ممرضا، مجهزة بكامل الإمكانات للتعامل السريع مع الحالات الطارئة، من خلال تقديم الإسعافات الأولية، والإنعاش القلبي الرئوي، ونقل الحالات الحرجة لأقرب المستشفيات.