مكة تشيع مداح النبي

شيعت مكة المكرمة أمس السيد عباس علوي مالكي إلى مقابر المعلاة، بعد الصلاة عليه عقب المغرب بالمسجد الحرام. الجموع الغفيرة من المشيعين تقدمها عدد من المسؤولين وأعيان مكة الذين ودعوا منشد مكة.
مكة تشيع مدّاح النبي بعد أن نعى نفسه قبل أيام من وفاته
مساء الجمعة الفارطة جمع السيد عباس بن علوي المالكي -كعادته- طلابه وأحبابه في داره العامرة بمكة المكرمة. خيم الهدوء على الجميع وهو يصدح بصوته الشجي أبيات مدح نبوي للعارف بالله عبدالرحيم البرعي قال فيها:
وللمرء يوم ينقضي فيه عمره
وموت وقبر ضيق فيه يولج
ويلقى نكيرا فِي السؤال ومنكرا
يسومان بالتنكيل من يتلجلج
ما إن انتهى السيد من مديحه حتى هطلت أدمع عيون الحاضرين مدرارا وهم يلهجون بالصلاة على النبي وآله ويشكرون له حسن تذكيرهم بغرور دنيا الفناء ونعيم دار الحق في الآخرة.
لم يعلم أحد، غير الله عز وجل، أن عباس مدّاح النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم كان ينعى نفسه للحضور، وكأنه كان يبصر يد القدر وهي تغزل كفنه الأبيض في عالم الغيب، فقرر أن يكون كطائر الشوك يصدح بأجمل صوت قبل الوداع.
أحد الأطفال ووري الثرى مع جثمان الفقيد
فجر أمس الثلاثاء داهمته سكتة قلبية مفاجئة لم تمهله طويلا ليفارق عالم الشهادة قبيل وصوله إلى المستشفى عن عمر يناهز 69 عاما لتطوى صفحة رجل من رجالات مكة أمضاها في خدمة العلم والدين وإصلاح ذات البين وإشاعة المحبة والحبور بين الناس رحمه الله تعالى.
والفقيد هو الابن الثاني من الذكور للشيخ العلامة السيد علوي بن عباس بن عبدالعزيز الإدريسي الحسني المالكي الذي كان أحد أعضاء هيئة كبار العلماء، وعضو مجلس الشورى، والقاضي في المحكمة المستعجلة بمكة والمدرس المعروف بالمسجد الحرام ومدرسة الفلاح، من زوجته الشريفة فاطمة البغدادي رحمها الله.
ولد عباس علوي مالكي في دارة والده المطلة على باب السلام بالمسجد بيت الله الحرام في عام 1367هـ. نشأ في كنف والديه بالمسجد الحرام حيث الدار المطلة نافذتها على بيت الله الحرام.
نشأ في بيت علم وفضل تحفه رعاية والديه؛ قبل أن يلتحق بمدرسة تحفيظ القرآن الكريم في زقاق الحجر «الصاغة» في عهد مديرها الشيخ إبراهيم زاهر رحمه الله تعالى، وبحلقة والده علوي المالكي رحمه الله تعالى، ثم التحق بمدرسة الفلاح ثم بمدرسة الثغر النموذجية بجدة، ولما غلبه الشوق إلى البلد الحرام عاد لمدرسة الفلاح ثم مدرسة عرفات في عهد مديرها الأستاذ إبراهيم ركة حفظه الله وحصل فيها على الشهادة الثانوية، ليرحل إلى القاهرة ويلتحق بالأزهر الشريف لمدة عام ثم تركه عائدا إلى مسقط رأسه من غير رجعة.
تأبين سندي
كان الراحل عاقدا العزم على تأبين العالم اللغوي الدكتور فؤاد سندي رحمه الله الذي توفي الأسبوع الماضي؛ في مجلس عام بداره مساء الجمعة المقبلة، اعترافا بفضل الرجل في خدمة علوم لغة الضاد، غير أن يد المنون سبقته دون تحقيق ذلك. وله ثلاثة مؤلفات، منها «الزبرجد والألماس في أسانيد السيد عباس»، ثم «هكذا كانوا».
الدكتور سمير أحمد برقة - خبير المواقع الإسلامية وزوج ابنة الفقيد
الركب المكي
السيد عباس رحمه الله، إلى جانب العمدة الشيخ سراج عياد، من آخر الذين يعرفون جيدا مراحل طريق (الرّكب المكيّ) بين مكة والمدينة القديم ودروبه ومحطاته غير المعروفة الآن. كان الركب يصل إلى المدينة بمراحل زمنية مختلفة، وأقصرها زمنا خلال ثلاثة أيام فقط على رواحلهم من الدواب.
الدكتور عاصم حمدان - أستاذ الأدب والنقد والباحث في تاريخ وأدب مكة المكرمة والمدينة المنورة
مجلس السيرة
بدأ عباس علوي مالكي (رحمه الله) حياته العملية كموظفٍ في جمعية الهلال الأحمر السعودي بريع الرسام ثم موظف برابطة العالم الإسلامي بقصر البياضية بالمعابدة في عهد رئيسها محمد الصبان، ثم زاول بعدها التجارة.
ظل حريصا على طلب العلم، بِدءا بوالده رحمه الله، قارئا عليه كتب المذهب المالكي وجملة من الأحاديث النبوية الشريفة والتفسير.
محمد علي يماني كاتب سيرة الراحل
حب أحمد
أنعى الراحل متمثلا قول الشاعر:
جسد تمكن حبّ أحمدَ فيه ... تالله إن الأرض لا تبليه
أو كيف يأكله التراب وحبّه ... في قلبه ومديحهُ في فيه
الدكتور عبدالله السناري - خبير المخطوطات في المدينة المنورة
ولد بباب السلام وعاش في مهبط الوحي
طوى الموت صفحة المنشد عباس علوي مالكي الحسني، الذي انتقل إلى رحمة الله أمس الأول، وأديت الصلاة عليه مغرب أمس، وووري جثمانه الثرى في مقابر المعلاة، بحضور جموع غفيرة من أبناء مكة المكرمة الذين قدموا التعازي لذويه.

إكمال المسيرة
منذ أكثر من 100 عام، عرفت أسرة المالكي في مكة المكرمة، بداية بالسيد عباس، ثم ابنه علوي، وجاء بعده ابنه الدكتور محمد، وأخيه عباس رحمهم الله جميعا، الذين بدأت حياتهم العلمية بالتدريس في المسجد الحرام لسنوات طويلة، وتحديدا مواد الحديث والفقه، كما كانت الأسرة تفتح أبواب منازلها لاستقبال طلبة العلم من داخل وخارج السعودية، وعندما توفي والدهم «محمد»، قدم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وكان وليا للعهد، وأمير منطقة مكة المكرمة آنذاك الأمير عبدالمجيد بن عبدالعزيز رحمهما الله، واجب العزاء في الفقيد، وعدد كبير من المواطنين الذين ارتبطوا مع أسرة المالكي بالجلسات العلمية اليومية والأسبوعية.
واليوم، يغادر عباس، وهو آخر أبناء علوي، والذي واصل مجالس والده وأخيه في «قراءة السيرة» إلى جانب إجادته للإنشاد الديني بمقاماته المختلفة، وكان لديه لقاء أسبوعي بعد مغرب يوم الجمعة في منزله للتواصل مع أبناء مكة المكرمة وتلاوة السيرة لهم.
وارتبطت الأسرة بعلاقة كبيرة مع الوسط المكي، كون أن والدهم رحمه الله عمل سنوات طويلة معلما في مدارس الفلاح بمكة المكرمة، لذلك يدين له بالفضل بعد الله عدد من طلابه.
والده وأخوه
شارك والده علوي التدريس في رواق باب السلام وبداره في النقا والعتيبية كعادة علماء البلد، ويملك 16 مؤلفا، وبذل جهودا كبيرة في نقل السيرة النبوية النقية على طلابه.
ويعد أخوه محمد، أحد أبرز علماء الدين المسلمين من أئمة المذهب المالكي، ويلقب بمحدث الحرمين، وتنقل بين عدد من الحواضر العلمية في العالم الإسلامي
اسمه
عباس بن علوي بن عباس بن عبدالعزيز الإدريسي الحسني المالكي.
ولادته
ولد بباب السلام بالمسجد الحرام بمكة المكرمة في 1367هـ.
نشأته
نشأ في كنف والديه بالمسجد الحرام، حيث الدار المطلة نافذتها على بيت الله الحرام، وتربى في بيت علم وفضل، فوالده علوي بن عباس المالكي الحسني رحمه الله، العالم المعروف والمدرس بالمسجد الحرام ومدرسة الفلاح، ووالدته الشريفة فاطمة البغدادي رحمها الله.
حياته العلمية
التحق في بادئ أمره بمدرسة تحفيظ القرآن الكريم في زقاق الحجر (الصاغة) في عهد مديرها الشيخ إبراهيم زاهر رحمه الله تعالى، وبحلقة والده علوي المالكي رحمه الله تعالى ثم التحق بمدرسة الفلاح ثم بمدرسة الثغر النموذجية بجدة، ولما غلبه الشوق إلى البلد الحرام عاد لمدرسة الفلاح ثم بمدرسة عرفات في عهد مديرها الأستاذ إبراهيم ركة حفظه الله وهكذا إلى أن تحصل على الشهادة الثانوية، رحل لقاهرة المعز والتحق بالأزهر الشريف لمدة عام ثم تركه من غير رجعة.
حياته العملية وتحصيله على المشايخ
خرج بعدها إلى الحياة العملية بدءا بموظف في الهلال الأحمر السعودي بريع الرسام ثم أصبح موظفا برابطة العالم الإسلامي بقصر البياضية بالمعابدة في عهد رئيسها الشيخ محمد سرور الصبان رحمه الله، ثم زاول التجارة فباع مواد البناء ثم الأواني المنزلية وغيرها، وفي هذه الفترة طلب العلم في المسجد الحرام بدأ بوالده السيد علوي بن عباس المالكي رحمه الله قارئا عليه كتب المذهب المالكي وجملة من الأحاديث النبوية الشريفة والتفسير، إضافة إلى تلقيه السير النبوية نثرا ونظما والبدرية والبردة وكثيرا من المدائح النبوية والأوراد حتى أجازه بذلك إجازة خاصة وعامة رواية ودراية ومعقولا ومنقولا، وقرأ على الشيخ القاضي الأصولي حسن بن محمد المشاط رحمه الله جملة من كتب الفقه المالكي والأخلاق، ولازم فترة من الزمن الشيخ محمد نور سيف بن هلال رحمه الله تعالى فقرأ عليه من كتب المذهب المالكي والفرائض حتى تمكن تمكن المجيد من هذا العلم، وكانت له مذاكرات ومراجعات في كتب المذهب المالكي مع أخيه محمد بن علوي المالكي رحمه الله حتى وفاته، كما أخذ عن جملة من علماء الحرمين الشريفين وعلماء العالم الإسلامي، وله ثبته المسمى بـ»الزبرجد والألماس في أسانيد السيد عباس»، خالط العلماء والأدباء والشعراء واستفاد منهم، عاش متنقلا بين حارات مكة المكرمة آخذا عن رجالاتها حتى أثمر هذا العشق مداحا نبويا بالغا صيته الآفاق، ولما كان الإنشاد يعتمد على المقامات والأنغام، فقد أخذ هذا الفن الروحاني من مظانه مبتدئا بالحرمين فمصر وسوريا والمغرب وبعض من البلاد الإسلامية لينتهي به المطاف بأن يصبح منشدا دينيا بالغا صيته بين الأنام ومأذونا شرعيا يشار إليه بالبنان.
الدعوة إلى الله
جاب كثيرا من بلاد العالم داعيا إلى الله بحاله ومقاله معتمدا على السيرة النبوية الشريفة نثرا ونظما، فزار إندونيسيا وماليزيا وسلطنة بروناي ومليبار وسنغافورة ودول الخليج العربي واليمن ومصر والمغرب وتركيا وبريطانيا وكندا وغيرها.
بره بوالده
أنشأ مجلسا للسيرة النبوية العطرة منذ ما يقارب الأربعين عاما، ثم توسع فأنشأ مركز السيد علوي مالكي للعلوم الدينية والسيرة النبوية برا ووفاء وتخليدا لذكرى والده علوي مالكي رحمه الله تعالى، ويعد خليفة لوالده بلا شك ولا ريب، وقد تمخض عن هذا المركز مجالس عدة داخل البلاد وخارجها متنوعة بين مجالس السيرة النبوية والذكر ومجالس إقراء القران الكريم والأذكار والأوراد ومجالس ومعاهد.
شهادات التقدير:
حصل على عشرات وعشرات الجوائز والشهادات التقديرية من داخل البلاد وخارجها.
مؤلفاته:
1 - صفحات مشرقة من حياة السيد الإمام علوي بن عباس المالكي الحسني رحمه الله تعالى، جامعا فيه ما كتب عنه في الصحف والمجلات.
2 - هكذا كانوا، وضح فيه الحياة الاجتماعية لمكة المكرمة لمدة تزيد عن القرن.
الحالة الاجتماعية:
متزوج وله أربعة أبناء وأربع بنات.
عيون المدائح
رحم الله الصديق العزيز، فقد كان محبا للناس، ذا صداقات واسعة، وكان منشدا حافظا لعيون المدائح النبوية، وقد صاحب ورافق أخاه الأكبر محمد علوي مالكي رحمه الله، في مجالسه ولقاءاته ودروسه، فكان عباس يحلي تلك المجالس بالمدائح النبوية بصوته الشجي.
محمد الحساني - كاتب بصحيفة عكاظ
صوت عذب
رحم الله السيد عباس مالكي رحمة الأبرار وأسكنه فسيح جناته، فالراحل كان أخي وصديقي ورفيقي وأستاذي وابن أستاذنا وشيخنا السيد علوي مالكي، وكان كريم النفس، ودمث الأخلاق، فتجد فيه شهامة أهل مكة، وهو من عائلة مكية كريمة وعريقة مشهود لها بالفضل والعلم.
الدكتور عبدالعزيز سرحان - تربوي
علامة الشهامة
علامة من علامات الشهامة في هذه الأيام، والتي قل أن يجدها الإنسان بسهولة، فأنا أعرفه بشكل شخصي وله فضل كبير علي، عندما كنت أتعلم عند أخيه محمد علوي مالكي، وكان محل ثقة الناس جميعا، ويتميز بحكمته، وربما الجزء الذي لا يعرفه الناس عنه، أنه كان عالما وطالب علم.
الدكتور عبدالله فدعق - داعية