«بخاري».. 8 سنوات يقدم «الفول» مجانا لأهل الحي

«رب صدفة خير من ألف ميعاد» لم أكن أعتقد لفترة طويلة بصحة تلك المقولة، حتى عصر ذلك اليوم الرمضاني الذي كنت أبحث فيه عن التقاط صورة تصلح لأن تكون مشهدا للصفحة الأولى أو الأخيرة بالجريدة، فإذا بي أخطئ الدخول بإحدى الإشارات في حي الصفا، حتى وجدت طابورا طويلا أمام أحد البيوت فاستوقفني المشهد.
«رب صدفة خير من ألف ميعاد» لم أكن أعتقد لفترة طويلة بصحة تلك المقولة، حتى عصر ذلك اليوم الرمضاني الذي كنت أبحث فيه عن التقاط صورة تصلح لأن تكون مشهدا للصفحة الأولى أو الأخيرة بالجريدة، فإذا بي أخطئ الدخول بإحدى الإشارات في حي الصفا، حتى وجدت طابورا طويلا أمام أحد البيوت فاستوقفني المشهد.
هواية موروثة
وحملت كاميرتي وقلت في نفسي صورة في اليد خير من ألف على الشجرة، وإذا بالواقفين، الذين يحمل كل منهم رقما، ما بين حامل لآنية وآخر لكيس، فاستفسرت من أحدهم عن الأمر فأجابني إنه الفول ذو النكهة الخاصة والمذاق الذي لا يضاهيه طعم في أي مكان آخر، وزاد آخر بان صنعته تفوق المحال المشهورة فصاحبة ذا باع طويل من الخبرة الموروثة عن أبيه.
مدح وإطراء
لا أخفيكم السر فقد بدأت أحس بطعم ذوبان حبات الفول في فمي من كثرة المدح والإطراء عليه، فقلت التجربة هي القول الفصل، خاصة أن أحد الواقفين نصحني بالانضمام سريعا للطابور حتى أنال حظوة الإفطار بوجبة فول لن أنساها على حد قوله.
استقبال 5 نجوم
ووقفت واستوقفت من جاء بعدي، لكن هناك شيء غريب لم أعهده من قبل في طاوبير الفول والتميس، فمن داع لصاحب الفول بالخير والبركة وطيلة العمر وصلاح الأولاد، ووجوه القائمين على تنظيم الطابور لا تنم عن أنهم أصحاب تجارة تهدف للربح، وإنما طلاب أجر ومثوبة من الله فالبشاشة، التي ترتسم على وجههم تؤكد أنهم تربوا على الأخلاق الحميدة.
الثمن أجر ومثوبة
وبينما أنا أفكر في الأمر، حتى اقترب دوري ودخلت من باب المنزل، وإذ بخلية نحل منظمة، يشرف عليها رجل خمسيني، يرتدي زي باعة الفول قديما، لكن علامات النعمة تبدو واضحة عليه.
وفيما أخرجت عشرة ريالات من جيبي لأدفع ثمن الفول وخبز الشريك، لفت انتباهي أن كل من أمامي لم يدفعوا شيئا وكأن هناك اتفاقا بينهم وبين القائمين على المكان أم أنهم دفعوا اشتراك من بداية الشهر.
وحينما سألت من أمامي أجابني بقوله: «خالد بخاري يعمل موظفا في الخطوط السعودية يوزع الفول والخبز بالمجان محبة في أهل الحي وخدمة لهم في رمضان منذ 8 سنوات»، فقلت: «صدقة يعني»، قال: «لا قلت لك محبة وودا لأهل الحي ووفاء لأبيه الذي كان يمتهن تلك المهنة».
كشف المستور
تلك المعلومات أثارت نهمي لمعرفة حكاية الرجل، فطلبت منه قبل أن آخذ الفول والخبز الشريك أن يعطيني جزءا من وقته، خاصة ان منهمك في عمله وحوله أبنائه لا يقلون نشاطا وتفاعلا عنه في تنظيم دخول الناس وإعطائهم وجبات الفول.
وبعد أن فرغ مما بيده، قال:»أخذت عهدا على نفسي منذ 8 سنوات أن أقدم وجبات الفول إفطارا لأهل الحي طيلة شهر رمضان ابتغاء المثوبة من الله، وحبا في أهل الحي، خاصة أني أجيد صنعها بالوراثة عن الوالد».
ولفت إلى أن جميع أفراد عائلته يساعدونه في إعداد تلك الوجبات، مبينا أن ما يميز الفول أنه يضيف إليه زيت الزيتون والسلطة، إلى جانب توفير خبز الشريك، قائلا: «كل ما أبتغيه الأجر والمثوبة من الله في هذا الشهر الفضيل».
عمل خير
من جهته، أشار صالح السعدي، أحد المواطنين، إلى أن ما يقوم به خالد يعد عمل خير، قائلا: «من يساعد بإفطار صائم فله أجر وثواب من الله عظيم»، مؤكدا أنه حريص على أخذ نصيبه كل يوم، لا سيما أن طعم فوله لا يقاوم فقد أعده بمشاعر المحبة والإخلاص. فيما لفت خالد بامعروف إلى أنه يواظب منذ ثلاث سنوات على تناول إفطاره من فول خالد بخاري، لافتا إلى أنه يوجد إقبال كبير من سكان الحي ومن جواره على الفول، حيث يحرصون على الحضور مبكرا لضمان أخذ وجبتهم المفضلة، داعيا له بالمزيد من الصحة والعافية وسعة الرزق، واصفا عمله بالمشجع على زيادة التواد والمحبة بين أهالي الحي.
أنهيت لقائي مع خالد وبعض سكان الحي، وحملت إفطاري من الفول والشريك وتوجهت إلى بيتي، وقررت بعد تناول الإفطار الذي كان مميزا بكل المعاني من حيث طعم الفول والخبز، أن أنقل تلك الحكاية للقراء وألا أكتفي بالصور فقط، عل وعسى أن يكون مثلا يحتذى به في كل الأحياء.