المشاعر المقدسة خارج الخدمة 270 يوما

يشعر زائر المشاعر المقدسة هذه الأيام كأنه في أيام الله في عرفات، وليالي المشعر الحرام في المزدلفة، وأيام التشريق ورمي الجمرات في منى، نظراً إلى الأعداد الكبيرة من الزوار والمعتمرين، إلا أن الزائر سرعان ما يلاحظ غياب الاهتمام والخدمات التي تقدم في هذه المشاعر خلال أيام الحج وهي سبعة فقط، في حين أن موسم العمرة والزيارات يستمر على مدى 270 يوماً كل عام.
يشعر زائر المشاعر المقدسة هذه الأيام كأنه في أيام الله في عرفات، وليالي المشعر الحرام في المزدلفة، وأيام التشريق ورمي الجمرات في منى، نظراً إلى الأعداد الكبيرة من الزوار والمعتمرين، إلا أن الزائر سرعان ما يلاحظ غياب الاهتمام والخدمات التي تقدم في هذه المشاعر خلال أيام الحج وهي سبعة فقط، في حين أن موسم العمرة والزيارات يستمر على مدى 270 يوماً كل عام.
لا ماء ولا طعام ولا ظلّ ولا خدمات صحيّة وبلدية وأمنية وتوعوية، أو حتى سيارة مرور واحدة تنظم حركة السير وتفك الاختناق والازدحام اليومي هناك، الأمر الذي يدفع للتساؤل: من أخرج المشاعر المقدسة وأماكن مكة المأثورة والمتواترة من خارطة اقتصادات موسم العمرة إلى بلد الله الأمين؟ وأكثر ما يلفت الانتباه في المشاعر المقدسة أن مساجدها الثلاثة مغلقة «بالضبة والمفتاح»، فلا مسجد نمرة في عرفات، ولا المشعر الحرام في مزدلفة، ولا مسجد الخيف في منى، يمكنك أن تصلي فيها، وهي مهبط الوحي وبلد الصلاة ومناسك الحج والعمرة! ولن يستطيع أحد تقديم جواب مقنع لأسئلة المعتمرين والزوار الذين يؤدون صلاتهم خارجها تحت ظلّ أروقتها الخارجية ولوحات أبوابها المغلقة المنقوش عليها الآية القرآنية «إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر».
6 ملايين معتمر
وحتى الأسبوع الماضي أصدرت المملكة منذ مطلع شهر صفر الماضي، نحو 1.7 مليون تأشيرة، وصل منهم حتى الآن 953 ألف معتمر للأراضي المقدسة، تخدمهم 50 شركة تعمل في خدمة المعتمرين، وبحسب تقديرات وزير الحج بندر الحجار فإن رقم القادمين في موسم العمرة هذا العام (9 أشهر) سيصل نحو 6 ملايين معتمر من مختلف دول العالم، وكانت الجهات المختصة في السعودية، أصدرت نحو خمسة ملايين تأشيرة عمرة في موسم العام الماضي 1434 هـ .
وما يشاهده زائر المشاعر لا يتوافق تماما مع ما أعلنه النجار قبل بدء موسم العمرة بأن كبار مسؤولي وزارته والجهات التابعة لها يعملون «للتأكد في هذا الصدد من رصد الطاقات المادية والبشرية والارتقاء بالخدمات التي تقدم للمعتمرين تحقيقاً للتطلعات السامية الكريمة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود وسمو ولي عهده الأمين - حفظهما الله -، وفي مقدمة تلك الخدمات البرنامج الالكتروني الخاص بالعمرة الذي يتم بموجبه متابعة الخدمات المقدمة للمعتمرين»، وكذلك وعد بالمحاسبة الشديدة للشركات والمؤسسات المعنية في حالة أي قصور يقع للمعتمر منذ قدومه إلى الأراضي المقدسة وحتى مغادرته إلى بلاده سالماً غانماً.
إلا أن «مكة» تقدم بعد جولة استطلاعية شملت المشاعر المقدسة الثلاثة فقط، وهي أكثر الأماكن التي يقبل على زيارتها المعتمرون بشكل يومي، صوراً مباشرة تعكس مدى الحاجة إلى تدخل سريع وحاسم لتوفير خدمات مستحقة لضيوف الرحمن، وتليق بسمعة المملكة ومكانة مكة المكرمة وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من اقتصادات موسم العمرة المهدرة بشكل يثير التساؤل والحيّرة معا، فموسم العمرة ليس طوافا وسعيا فقط، ولا فندقا أو مجمعا تجاريا فحسب، ولا حجز كرسي طائرة أو حافلة نقل، بل منظومة خدمات ومنتجات لا حصر لها يمكن استثمارها بأقل جهد تنظيمي وتسويقي ممكن، لتوفير آلاف الفرص الوظيفية في طيف واسع من الخدمات التي يحتاج إليها ملايين المعتمرين من لحظة وصولهم إلى موعد مغادرتهم الأراضي المقدسة، فضلا على القيم المضافة لإظهار منظومة الجهود التي توفرها الدولة لخدمة بلد الله الأمين والمشاعر المقدسة.. وتلك قصة أخرى.
عمرة.. وبيع سبح
ينظم أغلب مكاتب شركات العمرة جداول رحلات دينية متنوعة لأهم الأماكن المأثورة والمتواترة في مكة المكرمة والمشاعر المقدسة، وتسيّر يوميا مئات الحافلات الكبيرة (50 راكباً) لنقل الراغبين من المعتمرين في هذه الجولات بأجر 100 ريال للراكب الواحد في رحلة تستغرق في المتوسط نحو 3 ساعات، جولة في الصباح، وأخرى بعد الظهر.
في المقابل، ينشط أصحاب الباصات الصغيرة وسيارات الأجرة بنقل الراغبين بجولة سريعة من وإلى محيط المسجد الحرام إلى المشاعر المقدسة الثلاثة، مع مرور عابر على جبلي النور وثور فقط بسعر 50 ريالا للراكب الواحد في رحلات ترددية من الفجر وحتى مغيب الشمس
وغني عن القول أن معظم هذه الرحلات يفتقد إلى مرافقين يقومون بدور المرشدين السياحيين للتعريف بها وبالخدمات الموفرة والمشاريع الضخمة، وهو ما يضيع فرصة لإثراء معلومات المعتمرين القادمين من كل لون ولغة وثقافة بالحقائق الثابتة عن الأمكنة وتاريخها ودورها في السيرة النبوية ومناسك الشريعة الإسلامية وخدمة المملكة ورعايتها للحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة وقبلة المسلمين في العالم.
أفواج من الرجال والنساء والأطفال من كل جنس ولون ولغة يأتون إلى جبل الرحمة في صعيد عرفات يوميا من ساعات الصباح الأولى وحتى مغيب الشمس للوقوف على الصخرات الكبرى أسفل الجبل بالقرب من المكان الذي وقف وخطب عليه النبي صلى الله عليه وسلم في نحو 112 ألف حاج في حجة الوداع، يرفعون أيديهم بالدعاء والتماس بركة المكان بعد أن حملتهم الأشواق والذكرى لمشاهدة ومعايشة أماكن مأثورة ومتواترة لم يخلّ عن ذكرها القرآن الكريم وكتب السنّة والمناسك والسيّر.
خدمات معدومة
في محيط جبل الرحمة في عرفات، وعند مطلّ يشرف على جسور الجمرات الثلاث في منى ينتشر باعة جائلون، وآخرون يفترشون الأرض حيث تتزاحم الأقدام، يعرضون مواد استهلاكية وخردوات وألعابا للأطفال متنوعة ورديئة الصنع، وعلى مرمى حجر تقف بضع سيارات متنقلة تبيع الماء والبسكويت والشاي والعصائر والتمور والمكسرات بأسعار سياحية، ودون أدنى تنظيم ورقابة أو إشراف على سلامة ما يقدم من طعام وشراب للزوار، ولا يخلو المكان من أصحاب الدراجات الرباعية والجمال والخيول الهرمة، لتأجيرها للزوار، وتجربة ركوبها، والتقاط صور تذكارية فورية (مقابل عشرة ريالات للصورة الواحدة)، في مشهد عشوائي يذكرّ بالمثل المكي «كلّ في سوقه.. يبيع خروقه!».. فكل شيء هنا قابل للتسويق.. التاريخ، والهوية، وذاكرة المكان أيضا.. المهم أن يتم استنزاف جيوب الزوار بعيدا عن أعين الرقابة الرسمية الغائبة.
ممشى عرفات!
الغريب أن أمانة العاصمة المقدسة نفذت مشروعا لتطوير ممرات المشاة في المشاعر المقدسة في عرفة، وبات أهالي مكة المكرمة يستخدمونه طوال أيام العام (عدا موسم الحج) كممشى رياضي واسع يمتد نحو كيلو مترين في اتجاه مزدلفة، ومع ذلك يبدو أن مسؤولي الأمانة لم يفكروا لحظة لتشغيل الخدمات المتوفرة على جانبي الممشى طوال العام، فجميع المرافق مغلقة حتى الضرورية منها، وعلى رأسها دورات المياه وأكشاك صغيرة لبيع المرطبات والمشروبات الباردة والساخنة والمأكولات السريعة، وهي فرص وظيفية متاحة للعاطلين، ونافذة تسويقية لا تعوض لبرامج الأسر المنتجة لتعزيز اقتصادات موسم العمرة على الأقل.
مسجد اليوم الواحد
يعد مسجد نمرة في عرفات ثاني أكبر مساجد مكة بعد المسجد الحرام، وربما رابع أكبر مساجد العالم الإسلامي، ومن المؤسف أن يكون مغلقا بالضبة والمفتاح طوال أيام العام عدا يوم عرفة فقط، ولا يعرف إلا الله والراسخون في العلم بوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف، مبرر إغلاقه ومنع الصلاة فيه حتى بعد أن فتحت المملكة موسم العمرة والزيارة طوال تسعة أشهر من العام.
آلاف المعتمرين والزوار هنا يحتاجون إلى مسجد يؤدون فيه فروضهم ونوافلهم، فضلا عن زيارة مسجد صلى وخطب على منبره النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، ولا يستطيع المرء أن يصف مشاعره وهو يشاهد وقوف المعتمرين للصلاة أمام أبوابه المغلقة، من دون الاستفادة من خدمات دورات المياه والظل والتكييف في المسجد الذي بني في عين المكان الذي صلى فيه النبي، صلى الله عليه وسلم، الظهر والعصر جمعا وقصرا في حجة الوداع، وخطب خطبة عرفة في السنة العاشرة للهجرة النبوية، ولا يجد المرء أي جواب يقنع السائلين عن مبرر إغلاق مسجد نمرة ومنع الصلاة فيه وعدم إعماره وتهيئته، أو جزء منه، لاستقبال المصلين.
حال مسجد نمرة ليس الوحيد من بين مساجد المشاعر المقدسة، فمسجد المشعر الحرام في مزدلفة، ومسجد الخيف في منى، جميعها موصدة الأبواب طوال العام أمام كل راغب في الصلاة فيها من الزوار والمعتمرين رغم جاهزيتها وتكامل خدماتها من دورات مياه، وتكييف، وفرش وإنارة، وجميعهم يتوجهون لها لاكتساب فضل الصلاة فيها والتأسي بسيرة نبيهم المصطفى، صلى الله عليه وسلم.
دورات مياه بلا ماء
عشرات من مجمعات دورات المياه بلونيها الأزرق (للرجال) والوردي (للنساء)، تنتشر في جميع أنحاء المشاعر المقدسة الثلاثة، في منى ومزدلفة معا، ليس هناك دورة مياه واحدة قابلة للاستخدام، وجميعها مغلقة. أما الموجودة في صعيد عرفة بعيدا عن جبل الرحمة، فيبدو أنها مخصصة ليوم عرفة فقط، جميعها مغلقة أيضا ولا تتوفر فيها صنابير أو شطافات فضلا عن وجود الماء فيها، ويقال إن نزع صنابير المياه من المراحيض والمواضئ يهدف إلى حمايتها من السرقة أو العبث فيها.
هناك فقط مجمع واحد يضم 18 مرحاضا فقط نصفها للرجال وأخرى للنساء، حالها لا يمكن وصفه بالكلمات دون وضع الكمامات، وكان هناك أربعة رجال فقط، يشكلون فرقة صيانة صغيرة تابعة لشركة المياه الوطنية يقومون بالتناوب لتجديد طلاء الجدران الخارجية للمواضئ فقط
يمكن تقدير عدد حضور المعتمرين والزوار في الساعة العاشرة صباحا من يوم السبت الماضي، بنحو 4 آلاف رجل وامرأة ومن مختلف الفئات العمرية، وعلى القارئ أن يتخيل تزاحم هذا العدد على 18 دورة مياه فقط تفتقر إلى أدنى شروط النظافة والتعقيم برغم وجود عامل واحد يتسول المال أمام أبواب دورات المياه المهترئة مقابل رش الماء على المرحاض ومسحه ليصبح قابلا للاستخدام البشري!، وحسب حوارات جانبية في الجولة مع مرشدين وسائقين يصفون أكثر معضلة تواجه المعتمرين والزوار هنا عندما لا يجدون حلا أمام غيظهم وشعورهم بالقهر والإثم والحياء وهم يبحثون عن مخبأ بعيد عن الأنظار خلف الصخور والأشجار والسيارات لقضاء حاجاتهم الإنسانية في أطهر أرض وأقدس صعيد.
مستشفيات ومراكز طبية مغلقة
على مسافة أقل من 100 متر فقط من ساحة جبل الرحمة، وبين عشرات الحافلات والباصات الصغيرة وسيارات الأجرة التي تقف جميعها في شكل عشوائي لانتظار عودة ركابها من جولتهم وصعودهم صخور وطرقات الجبل تحـت أشعـة الشمس اللاهبـة، يقـف مبنى مستشفى جبل الرحمة بأبـواب موصدة لا يوفر سـوى ظلّ أسـواره العالـية فقط للزوار والمعتمريـن، رغم أن الحاجة ماسـة لتوفير خدمات طبية عـند الحاجة، خصوصاً أن معظـم المعتـمرين رجـالاً ونساء من كبار السن والأطفال المرافقين لهـم.
كما أن عملية صعود جبل الرحمة، تشهد تدافعا وزحاماً قد يسفران عن حالات تعثر وسقوط وإصابات بضربات الشمس، أو أي طارئ آخر تحتاج إلى تدخل طبي عاجل، وبالمشاهدة فإن جميع مستشفيات عرفة ومنى ومقار مراكزها الطبية المتعددة، فضلا عن هيئة الهلال الأحمر السعودي موصدة الأبواب وتصفر فيها الرياح، بالرغم من توفرها على كامل التجهيزات الطبية والإسعافية، ومن الضرورة بمكان توفير مركز طبي واحد على الأقل ليكون جاهزا لاستقبال أي حالة طبية أو مرضية طارئة عند الحاجة
فأقرب مستشفى من جبل الرحمة مثلا يبعد عشرات الكيلو مترات في مكة.