«جرول» يستبدل ثوب المهجورة

لا يتخوف أهالي حي جرول الذي يبتعد عن المسجد الحرام بنحو 700 متر، إلا من أن يستيقظوا يوما ما ولا يجدون حيهم الذي عاشوا وأجدادهم من قبلهم عدة عقو
لا يتخوف أهالي حي جرول الذي يبتعد عن المسجد الحرام بنحو 700 متر، إلا من أن يستيقظوا يوما ما ولا يجدون حيهم الذي عاشوا وأجدادهم من قبلهم عدة عقود، كما أنهم يتخوفون من أن تنتهي في غمضة عين لوحة نشاطه وحراكه الذي تواصل على مدى 80 عاما، الأمر الذي يفرض على الأهالي نزوحا إلى الأحياء الأخرى المجاورة.لا يعرف كل سكان الحي تاريخ الأزقة التي عاشت مراحل عدة تشبعت بالذكريات ما بين زائر ومعتمر وحاج، لكن الغالبية تعرف أن الحي القديم يتميز بالمنازل الطينية الأمر الذي يدخله في دائرة المنازل الأثرية، لكن تلك البيوت غدت أشبه ببيوت الأشباح بعدما خلت من ساكنيها ممن هجروها ليفتحوا المجال أمام المستثمرين للبدء في تغيير الحي إلى شكله الجديد.وفيما يتمسك بعض السكان بالحي الذي تغطي المباني القديمة 80% منه،
يعتبر سوق الخضار والفواكه هو الدال على الحي بشكل بارز، فيما ينتشر باعة البهارات والعطارين المشتهرين منذ زمن بعيد، بالإضافة إلى السوق الذي يقصده غالب سكان مكة ويستهوي الشباب وهو سوق الطيور وأعلافها ويعرض فيه كافة الطيور والحيوانات الداجنة وبجانب سوق الطيور هنالك أسواق الجملة والمراكز الكبيرة ولا ينسى أهالي الحي محلات رؤوس المندي التي اشتهروا بها في هذا الحي وبجانبها مقالي الأسماك الطازجة.لكن ما تبقى من الأهالي لا يعرف حتى الآن مصيره هل يرحل ويلحق بمن رحلوا أم يبقى خصوصا بعدما بدأت الآليات يدور رحاها في الحي القديم، معلنة مشروعات كبيرة تقدر كلفتها بنحو 950 مليون ريال، وتشمل الشوارع القديمة الغربية حيث بلغ عدد العقارات المنزوعة 235 عقارا وذلك لإنشاء محطة الخدمات المركزية تقدر بمساحة 40 ألف متر مربع لإكمال أكبر بنية تحتية لخدمة المسجد الحرام التي تشمل محطة لتوليد الكهرباء ومحطات لتبريد أجهزة التكييف المركزية ومحطة عملاقة للنفايات وتحويلها إلى مواد صلبة تتم إلكترونيا، حيث تسهم في عملية تصريف وتسريع عملية النظافة خصوصا أوقات الحج والعمرة كما تتضمن المشاريع في جرول إنشاء نفقين أرضيين لتمديد كيابل الكهرباء ومواسير التبريد كذلك مسارات خاصة بسيارات الخدمة.
ويفضل محمد باطيب من سكان الحي القديم في جرول أن يبقى في الحي ليعيش الذكريات في جنباته حتى الرمق الأخير، مضيفا: «لن أرحل من الحي نهائيا، فهو يمثل لي امتداد حياتي، لأنني نشأت فيه، وارتبطت بكل أزقته وشوارعه، خاصة حلقة جرول التي لم يتغير مكانها منذ القدم، فامتدت من المعلاة إلى جرول، وكانت بضائع البدو تصل إليها على ظهور الجمال قبل أن يعرف الأجداد السيارات، وكانوا يقطعون ليالي قادمين من أودية فاطمة والزيمة وخليص ومن عسفان وطريق جدة والطائف واليمن، فتناخ الإبل في وسط السوق لتنزل حمولتها عند صلاة الفجر، وتبدأ حركة السوق مع شروق الشمس ولا تنتهي إلا مع غروبها».لكن باطيب يعرف أن الحال تغير في الحي: "بعدما سكنه الغرباء وغدت السيارات هي المسيطرة على النقل، والسوق ينشط في أي وقت طيلة اليوم ولا يرتبط بساعات بعينها»، مشيرا إلى أن الخوف من أن يرحل الحي وتبقى الذكريات وحدها معلنة أننا كنا نعيش هناك.