التقويم السنوي لبداية الشهور أفضل السبل لتحقيق المقاصد دون تجاوز نصوص القرآن والسنة

دعا الدكتور عبدالوهاب ابراهيم أبو سليمان إلى إيجاد تقويم سنوي يدون فيه تاريخ بدء الشهور ذات المناسبات والشعائر الدينية في بداية كل عام، يتضافر على تحديدها فريق من علماء الفلك والفقهاء المشهود لهم بالخير والالتزام. وقال د. أبو سليمان في ورقة عمل قدمها لمجلس هيئة كبار العلماء في دورته الـ 69 بالطائف أن هذا الحل يرفع عن الأمة ما يترتب على الإعلان الارتجالي لبدء الشهور من مفاسد ومشاكل لا طاقة بها. واعتبر هذا الحل هو أسلم السبل لتحقيق المقاصد الشرعية دون تجاوز لنصوص القرآن والسنة أو خرق ونقض لقاعدة شرعية.

الأحد, 30شعبان1429هـ ، 31 أغسطس 2008م
المدينة - جدة

دعا الدكتور عبدالوهاب ابراهيم أبو سليمان إلى إيجاد تقويم سنوي يدون فيه تاريخ بدء الشهور ذات المناسبات والشعائر الدينية في بداية كل عام، يتضافر على تحديدها فريق من علماء الفلك والفقهاء المشهود لهم بالخير والالتزام. وقال د. أبو سليمان في ورقة عمل قدمها لمجلس هيئة كبار العلماء في دورته الـ 69 بالطائف أن هذا الحل يرفع عن الأمة ما يترتب على الإعلان الارتجالي لبدء الشهور من مفاسد ومشاكل لا طاقة بها. واعتبر هذا الحل هو أسلم السبل لتحقيق المقاصد الشرعية دون تجاوز لنصوص القرآن والسنة أو خرق ونقض لقاعدة شرعية.

وأكد في ورقته ان الطريقة التي تثبت بها الرؤية لهلال شهري رمضان وشوال أو مع بداية شهر ذي الحجة لإعلان يوم الوقوف بعرفة، طريقة ارتجالية ما يسبب إرباكاً لكل المؤسسات الرسمية الخاصة والعامة والفردية والأسرية، مشيراً إلى أنه ينبغي الاستفادة من الحسابات الفلكية عند الاستهلال وان اللجوء إلى الحساب الفلكي حالياً حسب التقدم العلمي المذهل في كافة المجالات يحمى الأمة مما حدث في الماضي من خطأ في الرؤية.

(المدينة) تنشر نص ورقة العمل التي قدمها د. أبو سليمان لمجلس هيئة كبار العلماء.

 إثبات الهلال

بالرؤية البصرية – علم الفلك – المراصد الحديثة

الحمد الله والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين وبعد

فشهر رمضان، وشوال، وذي الحجة، هي الشهور التي يترقبها المسلمون في كافة أنحاء الدنيا لأداء الواجب الديني المفروض عليهم فيها في الشريعة الإسلامية، فشهر رمضان يؤدي فيه المسلمون ركن الصيام، وتحرير نهايته وبداية الشهر بعده (شوال) ضروري للانتهاء من أداء فريضة الصيام، ومعرفة بداية شهر ذي الحجة ضرورة لأداء فريضة الحج، ومعرفة يوم عرفة (الوقوف بعرفة).

إن هذه الوريقات تتضمن أهم النقاط التي عالجها الباحثون في موضوع إثبات رؤية الهلال قديماً وحديثاً، تنتهي بتقديم خلاصة النتائج التي توصل إليها البحث، وهي تمثل رأي الباحث في هذا الموضوع الشرعي المهم، وقد اشتملت بعد هذه المقدمة المختصرة على الموضوعات التالية:

1- عرض قضية البحث (مشكلة البحث).

2- كيفية إثبات الهلال لشهر رمضان، وشوال، وذي الحجة.

3- منهجية البحث.

4- الأحاديث الواردة في كيفية إثبات الهلال.

5- تحقيق المناط في إثبات الهلال.

أ‌- القول بالرؤية البصرية لا غير.

ب‌- القول بجواز الاعتماد على علم الفلك والمراصد والآلات الحديثة.

6- الخاتمة، وفيها ما توصل إليه البحث من ترجيح

وبالله التوفيق.

قضية البحث (مشكلة البحث):

رؤية هلال رمضان، ورؤية هلال شوال، ورؤية هلال ذي الحجة سواء كان بالسماء علة، أو لم يكن بها، يتعلق بها أمران:

1- أمر ديني محض:

فهلال رمضان يتعلق به وجوب الصوم، وحرمة الفطر بلا عذر يبيحه في أنهر الشهر كله، وهلال الفطر يتعلق به حرمة الصوم، ووجوب الفطر، ووجوب صلاة العيد، ووجوب زكاة الفطر في أول يوم من شوال، وهلال ذي الحجة يتعلق به حرمة الصوم في اليوم العاشر والحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر، ودخول وقت الحج والأضحية، وتكبير التشريق، وغير ذلك من الأحكام الدينية المحضة.

2- اجتماعي محض:

وهي المصالح المتعلقة بالأفراد والجماعات، والتنقلات، والتجارات، والعقود، والرسميات إلى غير ذلك مما أصبح له مداخلة، وعلاقات بتوقيت هذه العبادات.

تتجسد هذه المشاكل في الطريقة التي تثبت بها الرؤية لهلال هذه الشهور بطريقة ارتجالية في نفس الليلة كما هو الحادث بالنسبة لشهري رمضان، وشوال، أو مع بداية شهر ذي الحجة لإعلان يوم الوقوف بعرفة مما يتسبب عن هذا إرباك كل المؤسسات، الرسمية، الخاصة، والعامة، الفردية، والأسرية، والعلاقات التجارية، والرحلات الجوية، والبرية، والبحرية الداخلية والخارجية، بل معظم أمور الحياة على كافة المستويات، في الداخل والخارج يصعب التخلص منها، أو تحويرها وتغييرها إلا بتضحيات كبيرة.

هذه سمة الحياة المعاصرة في عمومها وخصوصها، أصبحت خاضعة لجداول زمنية مسبقة يصعب تغييرها، بل قد يستحيل الفكاك منها، الأمر الذي يؤدي إلى مفاسد عظيمة ينجم بلا شك عن هذا أضرار كثيرة، ومفاسد مالية ومدنية رسمية وفردية.

السؤال المطروح هنا هو:

هل يمكن الاعتماد شرعاً على هذه الوسائل في إثبات دخول هذه الشهور، وتفادي تلك المفاسد المحققة؟

تعددت وسائل إثبات رؤية الهلال في الوقت الحاضر حسب تقدم علم الفلك في نظرياته وقوانينة بما أهل الإنسان لخطوات علمية متقدمة تمكنه من اكتشاف توقيت ظهور الهلال في بداية كل شهر لعقود من السنين، بل إن التقدم العلمي في علم الفلك بلغ بالإنسان إلى الهبوط إلى القمر، واكتشاف كواكب أخرى لم تعرف فيما سبق، انضم إلى هذا التقدم العلمي التقدم في إنشاء المراصد المتقدمة، واستحدث الآلات التي ترقب تحرك الشمس والقمر، والنجوم بكل دقة، وأصبحت النتائج التي يتوصل إليها العلماء قطعية.

فهل بالإمكان إيجاد تقويم سنوي في بداية كل عام تحدد فيه بدايات الشهور القمرية ذات العلاقة بالشعائر الدينية بخاصة بالوسائل الحديثة؟

كيفية إثبات الهلال لهذه الشهور:

كتب في هذا الموضوع عدد كبير من الفقهاء وغيرهم في القديم والحديث بما لا مزيد عليه، ولست هنا أقدم بحثاً في هذا الموضوع ولكن أستخلص بعض الحقائق مما دونه وسجله المعارضون لاستخدام علم الفلك، والموافقون المؤيدون لاستعمالها في إثبات الرؤية.

أود القول أولاً وقبل كل شيء بأن الإسهام في هذا الموضوع ينبغي أن يكون بمنهجية علمية رصينة، وليس كما يملي الفكر، والقلم، والعاطفة.

منهجية البحث:

المنهجية المتبعة هنا يقررها العلامة أبو اسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الشاطبي (ت 790) في العبارة الآتية:

(فاعلم أن كل مسألة تفتقر إلى نظرين:

نظر في دليل الحكم، ونظر في مناطه.

فأما النظر في دليل الحكم، فإن الدليل لا يمكن أن يكون إلا من الكتاب والسنة، أو ما يرجع إليهما من إجماع، أو قياس، أو غيرهما، ولا يعتبر فيه طمأنينة النفس، ولا نفي ريب القلب إلا من جهة اعتقاد كون الدليل دليلاً، أو غير دليل، ولا يقول بذلك أحد إلا أهل البدع الذين يستحسنون الأمر بأشياء ولا دليل عليها، أو يستقبحون كذلك من غير دليل إلا طمأنينة النفس أن الأمر كما زعموا وهو مخالف لإجماع المسلمين.

وأما النظر في مناط الحكم فإن المناط لا يلزم منه أن يكون ثابتاً بدليل شرعي فقط، بل قد يثبت بدليل غير شرعي، أو بغير دليل، فلا يشترط تحقيقه بلوغ درجة الاجتهاد، بل لا يشترط فيه العلم، فضلاً عن درجة الاجتهاد، ألا ترى أن العامي إذا سأل عن الفعل الذي ليس من جنس الصلاة إذا فعله المصلي: هل تبطل به الصلاة أم لا؟

فقال له العالم: إن كان يسيراً فمغتفر، وإن كان كثيراً فمبطل، لم يفتقر في اليسير أن يحققه له العالم، بل العاقل يفرق بين الفعل اليسير والكثير، فقد اتبنى هاهنا الحكم – وهو البطلان، أو عدمه – على ما يقع بنفس العامي، وليس واحداً من الكتاب والسنة، لأنه ليس ما وقع بقلبه دليلاً على حكم، وإنما هو تحقيق مناط الحكم، فإذا تحقق له المناط بأي وجه تحقق فهو المطلوب فيقع عليه الحكم بدليله الشرعي..

هذا المنهج الذي خطه العلامة الشاطبي في المسائل الشرعية يضع الحدود الفاصلة لما هو من وظيفة الفقيه في المسائل الشرعية، وهو الحكم ودليله، وما هو من قبيل (تحقيق المناط) الذي هو وصف الواقع الذي تترتب عليه الأحكام، وهو من اختصاص أهل الخبرة والمعرفة بالموضوع المعروض.

في ضوء هذا المنهج السديد الذي يحدد بموضوعية تامة وظيفة الخبير المتخصص، ووظيفة الفقيه الشرعي يتم عرض الأحاديث الواردة في كيفية إثبات الهلال وتحليلها وفق المعطيات والتفسيرات القديمة، والحديثة، ثم رصد الملاحظات المقتبسة من كتابات العلماء الشرعيين والفلكيين.

 الأحاديث الواردة في كيفية إثبات الهلال:

بالإسناد إلى الامام أحمد.. عن نافع عن ابن عمر رضي الله عهنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما الشهر تسع وعشرون فلا تصوموا حتى تروه، فإن غم عليكم فاقدروا له».

قال نافع وكان عبدالله إذا مضى من شعبان تسع وعشرون يبعث من ينظر، فإن رئي فذاك، فإن لم ير ولم يحل دون منظره سحاب ولا قتر أصبح مفطرا، وان حال دون منظره سحاب، او قتر اصبح صائما.

وروى النسائي عن عمر وابن علي بن يحيى ولفظه: لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فاقدروا له.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الهلال فقال: «إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين».. وقد روى البخاري عن طريق نافع من حديث مالك بن أنس رضي الله عنه ولفظه:

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ذكر شهر رمضان فقال: (لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فاقدروا له). وروى مسلم في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( إنا أمة أمية لا تكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا وهكذا، وعقد الإبهام في الثالثة، والشهر هكذا وهكذا وهكذا، يعني تمام الثلاثين).

هذه عمدة أحاديث رؤية هلال رمضان أصالة، والمواسم الدينية الأخرى كالحج، وقد انطلقت منها مواقف الفقهاء في بيان كيفية إثبات رؤية الهلال، والأحكام المترتبة عليها.

تحقيق المناط في إثبات الهلال:

تأتي الدراسة وفق منهج الإمام الشاطبي السابق ابتداء بتحقيق المناط:

أولا: القول بـ(الرؤية البصرية لا غير):

الوسيلة المعتمدة في اثبات دخول شهر رمضان، وشوال، وذي الحجة في المملكة العربية السعودية الرؤية البصرية لا غير) فهي مناط الحكم.

تكاد المذاهب الفقهية قديما تأخذ بهذا الاتجاه، فيما عدا بعض الفقهاء في قلة نادرة، وقد أبرز هذا الموقف شيخ الاسلام احمد بن تيمية رحمه الله في تعليقه على الأحاديث السابقة قائلا:

(فالذي جاءت به شريعتنا أكمل الأمور، لأنه وقت الشهر بأمر طبيعي ظاهر عام يدرك بالإبصار).

لم يكن حتى الماضي القريب من الوسائل ما يتوصل بها الى رؤية الهلال الا الرؤية البصرية.

اما الخيار الثاني الى ما قبل العصر الحديث فهو التوصل الى معرفة ظهور الهلال بالحساب، وقد اختلط الحساب بالتنجيم الذي هو ادعاء الغيب فأصبح ملازما له، وقد وضح العلماء حرمته، وتحريم اللجوء الى المنجمين، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فيما يتعلق بهذا الخيار:

(إني رأيت الناس في شهر صومهم، وفي غيره أيضا: منهم من يصغي إلى ما يقوله بعض جهال أهل الحساب: من أن الهلال يرى، او لا يرى، ويبني على ذلك إما في باطنه، وإما في باطنه وظاهره، حتى بلغني ان من القضاة من كان يرد شهادة العدد من العدول لقول الحاسب الجاهل الكاذب: إنه يرى، أو لا يرى، فيكون ممن كذب بالحق لما جاءه.. وفيهم من لا يقبل قول المنجم لا في الباطن، ولا في الظاهر لكن في قلبه حسيكة من ذلك وشبهة قوية لثقة به من جهة ان الشريعة لم تلتفت الى ذلك، لاسيما ان كان قد عرف شيئا من حساب النيرين واجتماع القرصين، ومفارقة احدهما الآخر بعدة درجات، وسبب الاهلال والإبدار، والاستتار والكسوف والخسوف فأجرى حكم الحاسب الكاذب الجاهل بالرؤية هذا المجرى.

فإنا نعلم بالاضطرار من دين الاسلام أن العمل في رؤية هلال الصوم، أو الحج، أو العدة، او الابلاء، او غير ذلك من الاحكام المتعلقة بالهلال بخبر الحاسب انه يرى او لا يرى لا يجوز، والنصوص المستفيضة عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك كثيرة وقد اجمع المسلمون عليه، ولا يعرف فيه خلاف قديم اصلا، ولا خلاف حديث، الا ان بعض المتأخرين من المتفقهة الحادثين بعد المائة الثالثة زعم انه اذا غم الهلال جاز للحاسب ان يعمل في حق نفسه بالحساب فإن كان الحساب دل على الرؤية صام، والا فلا.

وهذا القول وان كان مقيدا بالاغمام ومختصا بالحاسب فهو شاذ مسبوق بالاجماع على خلافه، فأما اتباع ذلك في الصحو، او تعليق عموم الحكم العام به فما قاله مسلم).

ثانيا: القول بجواز الاعتماد على علم الفلك والمراصد والآلات الحديثة:

وعى البعض من فقهاء العصر الحديث التغيير والتطور في الفكر العلمي، والحياة الاجتماعية منذ منتصف القرن الرابع عشر الهجري فاجتهدوا في ضوء النصوص، والواقع فأضحى لهم موقف مختلف عن فتاوى الفقهاء المتقدمين في ضوء الواقع الجديد، علما بأن بعض الفقهاء الاقدمين في العصور الفاضلة قالوا ايضا بالحساب الفلكي طريقا شرعيا لاثبات الرؤية فقد (كان الفضل للتابعي الجليل مطرف بن عبدالله الشخير (ت 276هـ) في أنه اول من قال بالحساب طريقا شرعيا لإثبات الرؤية، ثم قال بذلك بعده ابن مقاتل الرازي ( من اصحاب محمد بن اسحاق الشيباني تلميذ ابي حنيفة وصاحبه ، والقاضي عبدالجبار (المعتزلي)، وابن قتيبة الدينوري (ت276هـ)، وابن شريح الشافعي (ت301هـ) الذي اعتبر مجدد المائة الثالثة، وأول من قال من الشافعية بالحساب، وتلميذه القفال الشاشي الشافعي، ثم ابن دقيق العيد- فالسبكي الشافعي (756هـ) الذي ألف بحثا مستقلا سماه (العلم المنشور في اثبات الشهور، دافع فيه بقوة عن رأيه في رد الشهادة بالرؤية اذا خالفت مقتضى الحساب الصحيح، وقد رجح هذا القول كثير من الشافعية وهو قول عند المالكية.

كما يعود الفضل ايضا لطنطاوي جوهري بوصفه أول من أثار المسألة في القرن العشرين الميلادي معتبرا الحساب في الاثبات حجة، وصنف رسالة (الهلال) يستدل فيها على رأيه عام 1936م، وكان للشيخ محمد مصطفى المراغي (رئيس المحكمة الشرعية العليا) رأي كرأي السبكي يرد شهادة الشهود إذا نفى الحساب إمكانية الرؤية (حوالى 1925م) ثم تبنى السيد محمد رشيد رضا عام (1927م) العمل بالحساب ودافع عنه، وجاء الشيخ محمد بخيت المطيعي ( مفتي الحنفية) فاقتفى تلك الآثار، وصنف في ذلك كتابا ضخما عام (1933م) بعنوان (ارشاد أهل الملة إلى اثبات الأهلة) ثم الحافظ ابن الصديق الغماري 1953م، اذ صنف كتابا اسماه (توجيه الانظار لتوحيد المسلمين في الصوم والإفطار).

كما يعتبر احمد محمد شاكر ( المحدث) اشهر من قال بالحساب في رسالته المدونة ( اوائل الشهور العربية هل يجوز اثباتها بالحساب الفلكي؟) عام 1939م، واشتهر من بعده عدد من كبار الفقهاء المعاصرين من امثال العلماء: محمد فتحي الدريني، ومصطفى احمد الزرقا، ويوسف القرضاوي).

لأصحاب هذا الرأي استدلالاتهم يمكن اجمالها في الآتي:

1- (المراد بالرؤية في الأحاديث السابقة: الرؤية المباشرة بالعين المجردة، او بمساعدة الأجهزة المقربة والمكبرة كالنظارات، والنواظير، وأجهزة المراصد، لأن الرؤية من خلال هذه الوسائل رؤية حقيقية، فتدخل في الرؤية في الأحاديث الواردة).

وعلى هذه المعاني تحمل الأحاديث في هذا الموضوع الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

2- لم يكن متاحا في العهد النبوي ولا في العصور الاسلامية اللاحقة ما أتيح للأمة في هذا العصر من التقدم العلمي في علم الفلك فأصبح علم الفلك من العلوم العصرية التي اتضحت نتائجه على ارض الواقع، وقيض له من آلات الرصد للكواكب، مما هيأه المولى جل وعلا للأمة للاستفادة منها في شؤون دينها.

3- الذي رفضه الفقهاء من علم الهيئة، او الفلك هو ما كان يسمى (التنجيم) أو (علم النجوم)، وهو ما يدعى فيه معرفة بعض الغيوب المستقبلية عن طريق النجوم وهذا باطل، وهو الذي جاء في الحديث الذي رواه ابوداود وغيره عن ابن عباس مرفوعا ( من اقتبس علما من النجوم اقتبس شعبة من السحر).. ولكن ليس هذا هو الحساب العلمي الفلكي الذي نعنيه.

4- اما قول السابقين من العلماء كابن تيمية وغيره- باضطراب الحاسبين في تحديد وقت دخول الشهر فهو ناتج عن ان الحاسبين في زمن شيخ الاسلام لم تتوفر لديهم الامكانات لكي تصبح حساباته بالدقة المتوفرة في هذا الزمن..).

5- القول بأن من تيسير الشريعة ان ربطت دخول الشهر بالرؤية حيث انها ممكنة لكل مسلم، وان الحسابات لا يعرفها الا قلة من المسلمين، وهي شاقة، وبها تكلف على عامة المسلمين فإن تطور العلم في هذا الزمن جعل حساب حركة القمر من الأمور السهلة حتى على من لديه معرفة بسيطة بالرياضيات- الحساب العادي- بمستوى معرفة طالب الثانوية يمكنه حساب حركة القمر، وهناك برامج على الحاسب الآلي تعطي النتيجة بضغط زر بدون جهد يذكر، اذا انتفت حجة المشقة، وعدم انتشار المعرفة بالحساب، والتي جعلها بعض علماء الشريعة حجة من حجج منع القبول بالحساب).

يضيف الدكتور محمد بخيت المالكي قائلا:

(مقدرة العين في الرؤية يراد لها دراسة أعمق مما هو موجود هنا، وكذلك مما هو موجود في الأبحاث بشكل عام).

6- يمكن ان يتوهم الرائي للهلال بأشياء اخرى ويظنها هلالا (كما حدث بالنسبة للرؤية في بدء صيام شهر رمضان عام 1428هـ، ودلل المهندس محمد شوكت عودة رئيس المشروع الاسلامي لرصد الاهلة ان هذه ليست المرة الاولى التي تخطئ فيها رؤية العين المجردة، فقد صامت السعودية رمضان عام 1984 ثمانية وعشرين يوما، لأن احد الشهود اعتقد كوكبي عطارد، والزهرة قرني الهلال).. كما اوردها عدد من المتخصصين السعوديين، والعرب، والمسلمين، وكثير من المراصد، والهيئات والجيوفيزيائية المصرية الذي اكد ان معظم عواصم الدول الاسلامية والعربية لن تتمكن من رؤية هلال شهر رمضان المبارك في مساء التاسع والعشرين من شعبان، واوضح المعهد في بيان له ان هلال شهر رمضان المبارك سيولد قبل غروب الشمس في معظم الدول بمدد صغيرة، ويغرب بعد الغروب بدقائق بما لا يسمح برؤيته).

وهذا إن كان الشارع قد اوجد له مخرجاً كما ذكر بعض اهل العلم الا ان تفادي مثل هذا الامر مطلوب وممكن بالتعاون مع المختصين من الشرعيين والفلكيين عند قبول الشهادات لاوائل الاشهر على ان لا يتأثر رأي الفلكي في الشهادة الواردة بالحساب..

7- المقصود اعتباره من علم الفلك هو علم الفلك الحديث القائم على المشاهدة والتجربة وقد وصل غاية عظيمة من الدقة والتحقيق بنظرياته وتطبيقاته وآلاته غدا يملك من الامكانات العلمية والعملية (التكنولوجية) ما جعله يصل بالانسان الى سطح القمر ويبعث بمراكز فضائية الى الكواكب الاكثر بعداً، وغدت نسبة احتمال الخطأ في تقديرات (1-100000) في الثانية، واصبح من اسهل الامور عليه ان يخبرنا عن ميلاد الهلال فلكياً، وعن امكان ظهوره في كل افق بالدقيقة والثانية لو اردنا).

8- المراجع في الامور الفلكية هو علماء الفلك وهم اهل الذكر والخبرة والمعرفة في هذا الموضوع في الوقت الحاضر يصبحون هم اهل الذكر اهل المعرفة والخبرة بهذا العلم قولهم هو الذي ينبغي ان يعتمد شريطة ان يكونوا اهل دين وامانة فيما هو مطلوب شرعاً تطبيقاً لقول الله تعالى (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) يقول العلامة بخيت المطيعي رحمه الله تعالى:

«واهل الشرع من الفقهاء وغيرهم يرجعون في كل حادثة الى اهل الخبرة وذوي البصارة بحالها، فانهم يأخذون بقول أهل اللغة في معاني الفاظ القرآن والحديث ويقول الطبيب الحاذق في افطار شهر رمضان وغير ذلك فما الذي يمنع من بناء معرفة اوائل الاشهر واواخرها ما عدا شعبان ورمضان، وشوال التي ورد فيها النص على القواعد الحسابية مع كونها قطعية وموافقه لما نطق به كتاب الله تعالى وغيرها من الاشهر على الحساب، والرجوع في ذلك الى اهل الخبرة العارفين به اذا اشكل علينا الامر في ذلك مع كون مقدماته قطعية وموافقة لما نطقت به آيات القرآن(....).

الا ترى ان الحاسب اذا قال بناء على حسابه ان الخسوف، أو الكسوف يقع ساعة كذا من يوم كذا وقع كما قال قطعاً ولا يتخلف خصوصاً وان مبنى الحساب على الامور المحسوسة والمشاهدة بواسطة الارصاد وغيرها وقد يبلغ المخبرون بوجود الهلال وامكان رؤيته عدد التواتر فيفيد خبرهم القطع بوجود الهلال وامكان رؤيته لولا المانع او لا يبلغ المخبرون عدد التواتر ولكنهم يكثرون الى ان يقيد خبرهم غلبة الظن التي تقرب من اليقين فيطمئن القلب الى صدق الخبر ويبقى احتمال غيره كالعدم ومما يؤيد ذلك ايضا قوله تعالى (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) وشهود الشهر اما بمعنى الحضور فيه وعدم السفر واما بمعنى العلم بوجوده وهذا الثاني هو الظاهر من الآية فان الشهود بمعنى العلم هو سبب وجود الصوم... فمن علم بوجود الشهر بعد الغروب باي طريق من طرق العلم الشاملة لغلبة الظن سواء كان ذلك العلم برؤيته بنفسه او باخبار من يثق برؤيته او بامر القاضي بذلك وعلمه بأمره او بحساب فلكي دل على وجوده وامكان رؤيته بلا عسر لولا المانع وجب عليه الصوم.

9- لا خلاف بين علماء الفلك في ان الحساب الفلكي في غاية التثبت وان الخلاف هو فيما يعتبر بداية اليوم المقبل يقول الدكتور محمد بن صبيان الجهني.

«اؤكد انه لا خلاف بين علماء الفلك في ان الحساب الفلكي في غاية التثبت وان الاقتران يحسب بدقة عالية تصل الى جزء الثانية وذلك يعتمد على عدد العوامل المأخوذة في برنامج الحساب.

الاختلاف بين علماء الفلك ليس على الحساب ودقته ولكن على اعتبار بداية اليوم هل هو: وقت ولادة الهلال في أي وقت او ولادة الهلال قبل الغروب ولو بوقت قصير او ولادة الهلال قبل الغروب بوقت.

هذا الخلاف المفروض ان يترك للفقهاء لانه يتصل بشعيرة من شعائر الاسلام وقد توصل جماعتهم الى انه لا بد من وجود الهلال بعد الغروب لاعتبار اليوم الثاني اول الشهر فكلام الفلكيين عن بداية الشهر شرعاً هو كلام غير اختصاصهم الا ما يكون باعتبارات خاصة بموضوعاتهم لا دخل لها في الجانب الفقهي فكل فئة تتحدث في العلم من جانب اختصاصها دون مزاحمة.

10- الأمية المذكورة في الحديث النبوي الشريف هي وصف لما كان في عهد النبوة وقد جاء في القرآن الكريم ان من جملة رسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم التي منَّ بها المولى جل وعلا على هذه الامة (كما ارسلنا فيكم رسولاً منكم يتلوا عليكم اياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون).

يقول العلامة الشيخ احمد شاكر رحمه الله تعالى:

«اذا خرجت الامة عن أميتها وصارت تكتب وتحسب اعني صارت في مجموعها ممن يعرف هذه العلوم وامكن الناس – عامتهم وخاصتهم – ان يصلوا الى اليقين والقطع في حساب أول الشهر وامكن ان يثقوا بهذا الحساب ثقتهم بالرؤية او اقوى اذا صار هذا شأنهم في جماعتهم وزالت علة الامية وجب ان يرجعوا الى اليقين الثابت وان يأخذوا في اثبات الاهلة بالحساب وحده والا يرجعوا الى الرؤية الا حين يستعصي عليهم العلم به كما اذا كان ناس في بادية او قرية لا تصل اليهم الاخبار الصحيحة الثابتة عن اهل الحساب واذا وجب الرجوع الى الحساب وحده بزوال علة منعه وجب ايضا الرجوع الى الحساب الحقيقي للاهلة واطراح امكان الرؤية وعدم امكانها فيكون أول الشهر الحقيقي الليلة التي يغيب فيها الهلال بعد غروب الشمس ولو بلحظة واحدة...

11- الحساب الذي يقول به الآخذون بالحساب الفلكي في اثبات الهلال هو «الأخذ بالحساب الدقيق الموثوق به وعموم ذلك على الناس بما يسر في هذه الايام من سرعة وصول الاخبار وذيوعها ويبقى الاعتماد على الرؤية بالاقل النادر ممن لا يصل اليه الاخبار ولا يجد ما يقف به من معرفة الفلك ومنازل الشمس والقمر».

12- ثبت في اكثر من مناسبة احتمال خطأ الرائين للهلال ان يكون خيالاً لا هلالاً فاورث شبهة»وروى ان عمر رضي الله عنه أمر الذي قال رأيت الهلال ان يمسح حاجبه بالماء ثم قال:اين الهلال؟

فقال:فقدته فقال له:شعرة قامت بين حاجبيك فحسبتها هلالاً قاله في السراج...» ومما يستشهد به ايضا في هذه الحالات «حادثة أنس بن مالك رضي الله عنه واياس بن معاوية القاضي في صغره حين تدلت شعرة من حاجب أنس رضي الله عنه فظنها الهلال وفطن اياس رحمه الله وهناك حوادث مشابهة في عصر السبكي وغيره»

الرؤية بالتلسكوب وما في حكمه تعد في غاية الدقة وتفوق الرؤية بالعين المجردة كما جاء في التقرير السري من المستشار المختص لشؤون الاهلة بوزارة العدل الشيخ محمد بن عبدالرحمن البابطين ما يؤيد ما ذكر سابقاً بعد اجراء تجارب وتطبيقات لثلاث حالات باستخدام الآلات الحديثة المتقدمة وبحضور بعض من يعتمد عليه في اثبات الاهلة ويعد من حديدي البصر جاءت النتائج موضحة في العبارات التالية:

«وقد ظهر لنا من هذا التطبيق ان الرؤية بالتلسكوب وما في حكمه تعد في غاية الدقة وتفوق الرؤية بالعين المجردة كونها يتحصل عليها من غير مشقة ولا كلفة كما ان استدامة الهلال في التلسكوب مستمرة بخلاف رؤية العين المجردة التي تذهب وتعود ويحتاج معها الى مزيد من امعان النظر والمتابعة... وعليه فانه من واقع التطبيقات العملية يتضح لنا ان هذه المراصد والتلسكوبات وما في حكمها تعد في الحقيقة نافية او مثبتة لما يتم بالعين المجردة وهذا أمر بديهي لا يمكن دفعه او منعه لمن لامس هذه التقنية وجربها اذ انها تعد من حيث الواقع والتطبيقات من خوارق العادات اذا جازت لنا هذه التسمية..».

14- «لقد تدرجت قرارات المؤتمرات والمجامع الفقهية من رفض الحساب الفلكي إلى الاستئناس به إلى قبوله في النفي (نفيا لثبوت لا نفي الإثبات) الى قبوله في الرؤية وتحديد شروط الرؤية الى قبوله على أساس الاقتران».