فلسطين.. الطوافة.. التراث.. الفساد.. هروب العمالة
تكاثرت موضوعات مقال هذا الأسبوع، كما تكاثرت الضباء على خراش فما يدري خراش ما يصيد، فعذراً للقاريء الكريم .. وأبدأ بفلسطين، وما اقترفته يد العدوالإسرائيلي ضد قافلة الحرية، وأكثر ما يثير الغضب هو استمرار المواقف الباهتة للدول العربية تجاه هذه الجريمة الإسرائيلية، واستمرار الاستكانة لوهم خيارهم الإستراتيجي للسلام، هذا الوهم الذي أفقدهم القدرة على أي فعل - حتى غير حربي - في مواجهة الصلف والتعنت الإسرائيلي المدعوم دائماً أمريكياً وأوروبياً.
البعض يتوقع - واهماً أيضاً - مواقف أفضل من القوى الدولية الأخرى كروسيا والصين، متناسياً أنه ما لم يكن لأصحاب الشأن والقضية مواقف أفضل وأقوى فلن تكون مواقف أي دولة أفضل.
إن موقف الشعب التركي بزعامة رجب طيب أوردغان - وأنعم به من زعيم - موقف مشرّف وإيجابي، لأنه اصطف في معسكر الحق والعدالة الإنسانية، وأكد على أنه إذا أدار العالم كله ظهره لفلسطين فستظل تركيا مقبلة عليها. وهذا الموقف يُعد مكسباً حقيقياً للقضية الفلسطينية، ولمعسكر مقاومة الاحتلال الإسرائيلي - المندحر بإذن الله - واستعادةً للبُعْد الإسلامي للقضية، الذي تم اختزاله إلى بُعْد السلطة الفلسطينية.
إن المخجل والمحبط - حقيقةً - أن الحراك السلمي لفك الحصار عن غزة خلال سنواته الثلاث لايزال ينطلق من غير الدول العربية، ويلقى معظم دعمه السياسي واللوجستي من دول ومؤسسات غير عربية، فإلى متى يستمر مسلسل تدمير الإنسان العربي ؟؟
هنيئاً للطوافة والمطوفين
بفوز مؤسسة مطوفي دول جنوب آسيا بجائزة مكة للتميز لعام 1430هـ، في فرع خدمات الحج والعمرة مناصفة مع جريدة المدينة المنورة، والتهنئة موصولة لهذه الصحيفة الغراء، وللقائمين عليها إدارة وتحريرا بهذا الفوز المستحق بالجائزة لجهود متواصلة خلال السنوات الأخيرة أضحت واضحة من أجل التميز.
وأعود للمطوفين وأحثهم بدايةً على بذل التهنئة لزملائهم مطوفي جنوب آسيا، ثم السعي حثيثاً للاستفادة من تجربتها في التميز، والتخطيط للحصول على الجائزة في دوراتها القادمة، خصوصاً وأن زملاءنا في مجلس إدارة المؤسسة يبدون أريحية ملفتة باستعدادهم لنقل تجاربهم إلى من يريد من المؤسسات وبدون تحفظ، وهذا الأمر لمسته عندما كنت عضواً في مجلس إدارة مؤسسة مطوفي حجاج الدول العربية قبل حوالى خمس سنوات، ومؤخراً أثناء لقاءاتي بعدد منهم في سياق التحضير لموضوع بحثي في رسالة الدكتوراة الذي خصصته في مجال تطوير الأداء في مؤسسات الطوافة.
العناية بالتراث
لفت انتباهي - أثناء زيارتي الأخيرة للندن، وكنت بصحبة شقيقي ماهر - منزل في أحد شوارعها الخلفية وقد كُتب عليه هنا عاش W. H. Smith وهو بائع كتب ولد وتوفي خلال القرن التاسع عشر الميلادي، وهو بالمناسبة مؤسس سلسلة المكتبات الشهيرة التي تحمل اسمه وتنتشر في بريطانيا إلى يومنا هذا. وتذكرت كيف أننا في بلادنا وعلى الأخص في مكة والمدينة لا نحتفي بتراثنا، وتاريخنا وعظمائنا، وتأتي بلدوزراتنا على آثار من هم أعظم من W. H. Smith فهل من سبيل لكي ندرك أهمية التراث والآثار والتاريخ، وأن نحافظ على ما تبقى، ونحيي ما اندثر من أجل هويتنا وأجيالنا القادمة ؟! أرجو ذلك.
الفساد ومطار الملك عبد العزيز
ما عايشته وقرأته حول ما فرضته الترتيبات الأخيرة ما بين إدارة مطار الملك عبد العزيز وإدارة مرور المطار، من إجبار جميع السيارات على الدخول إلى المواقف ودفع خمسة ريالات حتى لو لمجرد إركاب أحد القادمين يأتي نتيجة لنوع من الفساد الإداري، وهو غياب المحاسبة، وعدم الاكتراث بما قد يتعارض مع الأنظمة صراحة أو ضمنا، فإدارة المطار وإدارة المرور عندما أمنوا المحاسبة والعقوبة، عمدوا إلى التنسيق فيما بينهم بمنع الانتظار في ميدان المطار - وهو ما اضطر إليه المستقبلون بسبب قلة المواقف وسوء تنظيمها - وإجبار جميع السيارات على الدخول إلى المواقف ودفع خمسة ريالات، وهم بذلك يتجاهلون واجباتهم في توفير هذه المواقف، وأن الأصل فيما يقدمونه من خدمات ليس الربح أوتمويل المشاريع، وأن خصخصة بعض الخدمات الحكومية هو في الأساس من أجل تحسين الأداء وتخفيض تكاليف تقديم الخدمة، وليس تحقيق أرباح مادية للجهة التي خصخصت بعض خدماتها، بل إن الواجب أن تتحمل الجهة كامل تكاليف تقديم الخدمة بما فيها تكاليف الصيانة والتشغيل، خصوصاً وأن المفترض أن تكون قد انخفضت بعد الخصخصة. ولذلك فإنني آمل أن تبادر الجهات الرقابية إلى إلغاء هذا الإجراء، وإلى حرمان إدارة المطار أو الطيران المدني من الدخل الناتج عنه بتحويله إلى خزينة الدولة، لأن هناك شكوكا بأنه فُرض من أجل تمويل تكاليف مشروع توسعة المواقف الأخير من جيوب المواطنين.
هروب العمالة
نشرت صحيفة عكاظ في الأسابيع الماضية إحصائية تقول إن تكاليف هروب العمالة المنزلية الأندونيسة فقط بلغت أربعمائة وعشرين مليون ريال في السنة، وهذا على اعتبار أن تكلفة استقدام العامل الواحد 7500 ريال، في حين أن التكلفة تزيد عن ذلك إذا أضفنا لها رسوم الإقامة والتعقيب وزيادة رسوم مكاتب الاستقدام التي بلغت حالياً 6500 ريال. إن هذه التكاليف الباهظة التي تتكبدها الأسر هي وراء تنامي الظاهرة، لأن الأسر التي تهرب عاملاتها وبالجملة أحياناً -عاملات وسائقين- تكون في وضع يدفعها دفعاً لاستخدام عمالة هاربة من أسر أخرى، وذلك في ظل العجز المستمر للجهات الحكومية المعنية عن وضع حلول لحفظ حقوق هذه الأسر، بل المؤسف تكليف الأسرة أيضاً بتكاليف ترحيل هذه العمالة في حال القبض عليهم والتعرف على أصحاب عملهم، ودفع رسوم جديدة لاستقدام عمالة بديلة.
إن الأمر يحتاج إلى إعادة النظر بموضوعية في أساليب ملاحقة الهاربين، والعقوبات التي يجب أن تُفرض عليهم، وكذلك في القيود المفروضة على الاستقدام، والتي في رأيي أنها أحد أسباب توفر الفرص لهذه العمالة الهاربة، وهي التي رفعت أجورها وتكاليف استقدامها، وأثقلت كاهل الأسر.
المدينة 22/6/1431هـ