المشهد المكي.. غياب الجامعة.. لماذا؟

لطالما تحدثت النظريات بكل تصنيفاتها، ومن ضمن هذه النظريات نظرية أو هرم ماسلو الذي أولويته تنطلق من قاعدة معروفة، وهي حاجة الإنسان إلى العديد من المقومات. ولكن من أهم هذه المقومات الانتماء إلى الجماعة، ولكن ما لم يكن في الحسبان أن هذا الانتماء عند البعض كثيرًا ما يرتبط بالمواقف والخلافات والصراع. ويلعب التضليل، ثم يكون الصمت حتى يبدأ ترتيب الوسائل بكل أنواعها لهم الحقوق والتهميش والإقصاء والتعنّت بالرأي اعتقادًا بأن هذا التعنت التزام بالرأي، وهو في حقيقة الأمر عدم تقبل الرأي الآخر بكل المقاييس. واعتقادًا أن إثبات الذات لا يكون إلاّ على حساب الآخرين. هذه خاطرة وددتُ أن أبدأ بها كلماتي اليوم في ظل حديثي عن جامعة أم القرى كصرح علمي، لها كيانها بحكم الموقع الذي تحتله في أطهر بقاع الأرض في مهبط الوحي، ومنبع الرسالات السماوية في مكة المكرمة، وقد برزت كرمز أكاديمي، ونحن نعرف المراحل التي مرت بها الجامعة، وقد أطّلعتُ على بعض المعلومات من موقع الجامعة على الشبكة العنكبوتية.

السؤال الذي يتبادر إلى الذهن: أين جامعة أم القرى من خدمة المجتمع المكي، والحياة الاجتماعية المكية؟ ولماذا هي غائبة عن المحافل والمناسبات الثقافية والتكريمية؟ لماذا يغيب هذا الصرح العلمي عن المشهد العلمي والحضاري في خلل السياق الذي تشهده مكة؟ أعتقد أن الجامعة قبل عشرين عامًا أو تزيد كان لها حضور في الحياة الاجتماعية والثقافية والفكرية والحضارية، وقد كانت في طليعة الركب، وكان لها قطف الكثير من ثمرات الحضور، وبالشكل الذي يتوافق مع مكانتها، بل كانت متميزة في عطائها. ففي كل يوم تصدح مكة المكرمة بأمسية تكريم لمفكرين وروّاد وعلماء، وكل يوم هناك محاضرة ومهرجان، والجامعة بعيدة وليس لها حضور! حتّى البرامج العلمية والأبحاث التي هي من صميم رسالة الجامعة الصمت يطوّقها! ماذا يحصل داخل أروقة الجامعة حتّى تبتعد عن مجتمعها؟ ولماذا نعتقد أن المنصب هو الغاية والهدف بعيدًا عن التطوير والحضور؟ لماذا نجعل الصراعات والخلافات مرتبطة بالأشخاص؟! فلا أُخفي سرًّا ولا أكون مبالغًا إذا قلت إن هذا الهاجس، وهو بُعد جامعة أم القرى عن المشهد المكي مستغربًا ويجعل الكلام واجبًا. والحزن يطوّقني عدما أتحدث عن هكذا موضوع حتّى رأينا جهود كثير من المنابر الثقافية والعلمية تشارك بالأدوار التي من المفترض أن تقوم بها جامعة أم القرى، وقمة البُعد ما أسهبنا فيه كثيرًا، وهو تجاهل الروّاد والمفكرين والذين لهم بصمات، وتلك اللجنة التي قتلت برابط الصراع والخلافات الشخصية، هذه اللجنة التي تمثّلت في برنامج تكريم رواد مكة حتى تعرف صنائعهم، وتخليدًا لآثارهم ووفاءً وعرفانًا لذلك الجيل الذي لن يتكرر، وبكل صدق وشفافية اختفت هذه اللجنة بعد أن بدأت في تكريم العديد من المفكرين والروّاد، وتوقف التكريم عند محمد عبدالرزاق حمزة، والأستاذ عبدالله عريف، والشيخ حسن مشاط، وقلنا مرارًا وتكرارًا بأن تعود هذه اللجنة، ولكن استمرار البعد، وعدم الحضور للجامعة في هكذا أمور جعلانا نفقد الثقة في عودة هذه اللجنة، أو أعتقد أن مفهوم المشاركة الاجتماعية غير دارجة، أو أنه مفهوم التكريم وأنه يشكل نقطة مفصلية في اهتمام ورعاية الدولة، وأنه محطة لها مذاق ونمط خاص غير جاهز تحت أروقة الجامعة.نحن نشهد صفحة من صفحات الإبداع والنجاح والشموخ، ونشهد إضاءة تنويرية في المشهد الثقافي والفكري والحضاري، ومن هذا المنطلق نتطلع ان تكون جامعة ام القرى حاضرة في المشهد المكي على اقل تقدير.

المدينة 8/5/1431هـ