آثار مكة ومستقبل أفضل

يقول سمو الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز-رعاه الله- في ما نشر يوم الخميس 20/4/1431هـ في جريدة الشرق الأوسط :(حق علينا ان نبدأ بمكة المكرمة أولاً، وأن نحافظ على آثارها، ننظمها ونهيئها للمواطن والزوار القادمين إلى هذه البلاد المباركة، وأن يطلعوا على هذا التاريخ الإسلامي العظيم، وعلى هذه المواقع الأثرية، التي هي جزء لا يتجزأ من تاريخ الحضارة الإسلامية، فالتاريخ الإسلامي لم يحدث على جزر بعيدة، وإنما حدث على هذه الأرض المقدسة، وليس هناك حرج من أن نجهز هذه الآثار، ونرمم المواقع التراثية)، ويؤكد حفظه الله - أن ليس هناك شيء خفي يجرح العقيدة لا قدر الله، وما أجمله من قول كتوضيح لمهمة هيئة رسمية أوكل إليها الاهتمام بالآثار خاصة آثارنا الإسلامية بمكة أولاً ثم المدينة، وهما حاضنتا التاريخ الإسلامي في أزهى عصوره، عهد سيدي رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- والمواقع التاريخية المرتبطة بسيرته عليه الصلاة والسلام، والتي لا حصر لها، ولها وجود مشاهد عبر العصور، عرفتها الأجيال في هاتين المدينتين المقدستين وما بينهما جيلا بعد جيل، بمواضعها ومسمياتها، وقد أزيل بعضها ولا يزال البعض الآخر عصياً على الإزالة، باقيا يشهد لتلك السيرة وأحداثها،

 من مثل مكان مولده -صلى الله عليه وآله وسلم- والبيت الذي قضى فيه الفترة المكية من بعثته وولد فيه جلُّ أولاده صلى الله عليه وآله وسلم- أعني بيت أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها، والغار الذي تحنث فيه، والآخر الذي اختبأ فيه عند هجرته إلى المدينة،

 ولكل هذه المواقع الأثرية التاريخية بمكة سجلات حافلة بذكرها في كتب السيرة والتاريخ، وتراجم الرجال من علم الحديث، بل وفي سائر العلوم الشرعية، واستعادة الاهتمام بها والإشارة إليها في مواضعها دون حرج هو ما يجب أن تسعى إليه الهيئة وتعمل له في هذا العهد الزاهر وقد أسعدنا قول سموه (إن جبلي ثور والنور موقعان مدرجان ضمن الاتفاقية، وهذه مواقع مهمة، حدثت بها أهم أحداث التاريخ، ولن تبقى بهذا الوضع الذي هي به، وستكون في وضع صحيح، خصوصا أنها منبع للعقيدة الصافية، ولا تترك بهذا التردي التي هي عليه الآن)

 مما يعني أن الهيئة المسؤولة عن الآثار أدركت ما تعانيه هذه الآثار لا من الإهمال فقط بل ومن الإساءة إليها، فالذين يتسللون إلى هذه المواقع، وما يلقونه فيها من أقذار ظنا منهم أنها تمنع الناس من زيارتها يسيئون إلى هذه الآثار ولابد أن يحاسبوا على أفعالهم، وأن توضع المواقع الأثرية كلها تحت حراسة تمنع مثل هذه الاعتداءات، ففي العالم اليوم شُرط للسياحة والآثار، تراقب وتمنع الاعتداء على المواقع السياحية والأثرية، وفي بلادنا يمكنها أن تمنع إزالة ما بقى من الآثار الإسلامية كالمساجد التاريخية، والتي ظلت قائمة قرونا، ثم توهم البعض أن لها أضرارا على العقيدة فهدم كثير منها ولم يتبق إلا القليل، وإن كانت مواضع ما هدم منها وأزيل معروف، ويمكن إعادته مرة أخرى، مع الحفاظ على تقنية البناء القديمة، ويجب محاسبة من يتسللون تحت جنح الظلام ليهدموا آثارا أو ينبشوا قبرا، وما حدث لمسجد العريض وقبره، وما حدث لمقبرة شهداء بدر ليس عنا ببعيد، فهذا الاهتمام الذي أعلنه سموه نرجو أن نرى آثاره ظاهرة في زمن قصير، لينقذ آثارنا الإسلامية، ويحيي منها ما اندثر، فلا تبقى عبر الزمن السمعة عنا أننا البلاد التي تهدم آثارها، وتغيب بذلك تاريخها، فإن بحثنا عن آثار حضارات سادت ثم بادت مرت ببلادنا أو استوطنتها قبل الإسلام في كل أجزاء الوطن أمر في غاية الأهمية، وكذا الاهتمام بتاريخ دولتنا القريب ومواقع أحداثه،

 ولكن الأهم ان نعنى بآثار حضارتنا الإسلامية، التي صنعت بمبادئها وتشريعاتها نورا أضاء الدنيا كلها، وموطن انبثاقه في المدينتين المقدستين مكة والمدينة وما بينهما، بل وفي سائر الجزيرة العربية، فكفانا استهانة بالمواقع الأثرية الشاهدة على أحداث هذه الحضارة عند تكونها أول مرة، ومن المعيب أن تربط هذه المواقع قسرا بمعتقدات شركية وهمية، فقد حفظ الله هذه الأرض المقدسة بالإسلام وعبر جامعتيها العريقتين في الحرم المكي الشريف، والمسجد النبوي الشريف، واللذين ظلت الحلقات العلمية فيهما تبث علما حفظ للأمة دينها، وأنار الطريق لها لدنيا تزدهر فيها الحياة، فما خشي علينا سيدي رسول الله-صلى الله عليه وآله وسلم.. الشرك بعده، بقدر ما خشي علينا التنافس على حطام الدنيا، الذي هو واقع في جوانب كثيرة اليوم من حياتنا، ولعل من فضل الله على هذه البلاد أن تولى الإشراف على هيئة الآثار سمو الأمير سلطان بن سلمان حفظه الله، وهو الرجل الذي لن يستطيع أحد يزايد عليه، فهو نتاج هذه الأسرة المباركة التي عرفت للدين حقه، ولم تنس الدنيا التي لها وللشعب فيها نصيب، فشكرا لسموه وللعاملين معه في الهيئة فاهتمامهم بآثارنا الإسلامية مهمتهم الصعبة، ونجاحهم فيها هو ما نرجو والله ولي التوفيق.

المدينة 5/5/1431هـ