في حب «مكة»

قلب جامعة أم القرى اتسع لحشود المجتمعين حول أميرهم يسمعون خططه المستقبلية لإعمار (مكة) العامرة بالبيت الحرام منذ الأزل وإلى الأبد. ومن كان يظن أن أخبار مكة المكرمة تهم أهلها المحتشدين في جامعتهم.. يكون قد أغفل جزءاً من الحقيقة!!! وهي أن مكة تهم الجميع! من هم أدرى بشعابها، ومن هم خارج حدودها، ومن هم يأتون إليها كل عام بلهفة المشتاق الى عمرة أو حج مبرور وما أكثرهم. فمكة المدينة الوحيدة التي ينتشر حبها بين كل قارات الدنيا! وفي كل مكان في الكون يوجد من يعرف مكة ويحب مكة ويتمنى لقاء مكة. وكل قلب لا يسكن مكة يحبها ولو لم يرها إلا حلماً أو أمنية يخطط لتحقيقها على مر الأيام. هذه هي مكة.. مدينة ليست ككل المدن، وشرف عظيم لمن ينال مكرمة العناية بها والاهتمام بخدمتها لذا فالمملكة تحظى بحظوة خصها الله بها عز وجل وهو أعلم بمن يخص.. ومن هو أهل لما يخصه به. وكنت أرقب أخبار لقاء أم القرى بأميرها.. وأتابع بشغف خطط مكة المنشور عنها في الصحف، وكلما قرأت شيئاً رجف قلبي وانتفض.. تغشاه فرحة الالتفاف حول تعمير المدينة المقدسة المكرمة المصطفاة من الأرض! فلا شك يفرحنا الاهتمام الكبير الذي تلقاه هذه المدينة المحبوبة المقدسة من الحكومة المخلصة ومن أميرها المجتهد ومن أبنائها الطيبين. لكن أخاف أن يأخذنا التطوير بعيداً عن جوهر التأسيس، فمكة تأسست منبعاً للدعوة إلى الله، وقبلة للمسلمين كافة، ومكانا مقدسا لا يدخله إلا المطهرون، ومصدراً للإشعاع الديني الذي يجعل الحياة أكثر سكينة وصفاء وارتقاء وقدسية. تأسست مكة المكرمة مدينة روحانية ولا تصلح إلا أن تكون على الدوام بهذه الصفة. تدخل إليها وقلبك شغف بصوت أذان يأتيك من حرم قدسي ليس كمثله صوت آخر يضاهيه في الجلاء والقوة والوضوح والتأثير! تدخلها كي تتعبد ولا تدخلها كي تتفرج أو تتسلى أو تتسوق. هكذا هي المدن الروحانية تحافظ على أصالتها.. وتتمسك بخصوصيتها.. تصفيك وترقيك وتطهرك وتنقيك من الشوائب! وإذا كانت الدنيا الواسعة فيها أكثر من مدينة للترفيه فليس فيها للعبادة غير مكة واحدة! وإذا كان الكون الفسيح فيه أكثر من مدينة تستحق السفر إليها فليس فيه من بين المدن غير مكة واحدة! وهي السفرة الوحيدة التي لا تعود منها وأنت خسران! ولا تعود منها وقد خسرت شيئاً وما تنفقه فيها يخلفه الله عليك مضاعفاً! الذاهب إلى مكة يذهب إليها ليس للسياحة ولا للاصطياف ولا لقضاء أوقات العطلة بعيداً عن أجواء الكد والجد والعمل ولا للمهرجان! يذهب إليها كي يتطهر ويتعبد ويراجع نفسه.. ويدخل الحرم وهو طاهر ومنيب وأواب ومستغفر وتائب ولا يصلح مع هذه الأحاسيس أن يتلصص بنظرة نحو متعة وقتية تشبع هوى النفس حتى لو كانت النظر نحو منظر جميل أو مجمع أسواق كبير يخطف بصره المتجه نحو الحرم ففي مكة لا وجهة يتجه اليها الإنسان إلا وجه الله الكريم! ولأن العصر غير العصر الذي كان.. ولأن عوامل تطوير المدن قد دخلت بينها أشياء وأشياء ولأننا من بين العالمين نتميز بمدن نظيفة في العرض والطلب على المسليات تبقى مكة المكرمة خارج هذا كله ليس فيها غير الأنشطة الدينية حتى بنيانها يحتفظ بخصوصيته القديمة.. مع إنعاش ذاكرة التاريخ بأماكنها التاريخية وكشفها للناس. واعذرونا لو نخاف إلا أننا واثقون أن للخوف حدودا !!!

عكاظ - 3/6/1429هـ