رحم الله السقاف

عرفته من أربعين عاماً مجاهداً في سبيل الله بعلمه وفقهه وكريم سجاياه.
مجاهداً بعلمه في الدعوة إلى الله من خلال مجالس الدروس التي كان يعقدها في منزله، أو في المناسبات التي يشارك فيها بما آتاه الله من علم.
وجاهد بفقهه في الإرشاد لتعاليم الشريعة الإسلامية وفق ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

وجاهد بالمحبة وكريم المواقف في الإصلاح بين الناس ونشر المحبة وتأليف القلوب.
أذكر ذات مرة أنني جئته في منزله الذي كان يسكنه في طريق مكة جدة القديم، فسألني قائلا: ما بال صاحبك....... لم نعد نراه؟
قلت: شغلته مهمات تربية أولاده وبناته بعد أن اختلف مع زوجته التي تركت له البيت إلى دار أبيها بعد أن اعتدى عليها بالضرب!!
قال: وأين هو الآن؟
قلت: بالتأكيد في العمل.
قال: ومتى يعود إلى البيت؟
قلت: بعد انتهاء الدوام في الشركة التي يعمل فيها وينتهي دوامها الساعة الخامسة عصراً.
قال: تعال لعندي غداً بعد العصر، ولما جئته، حمل معه علبة لا أعرف ما فيها ثم قال: هيا بنا إلى بيت صاحبك.
وعند صاحبي أمضى ساعة وبعض الساعة في حديث متواصل عما يجب أن تكون عليه العلاقة بين الرجل وزوجته وأن من العيب أن يضرب الرجل امرأة فكيف إذا كانت أم أولاده وبناته، ثم ذكره بالآيات الواردة في القرآن بما يجب به التعامل مع الزوجة وما وجه به سيد الخلق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
وكان ساعتئذ قد أدركتنا صلاة المغرب فأدينا الصلاة، ثم طلب من الرجل أن يصحبنا إلى دار والد زوجته حيث ذهبنا سوياً ليستقبلنا والد الزوجة بترحاب تكريماً لفضيلة الشيخ الذي استهل حديثه بآيات من القرآن الكريم وبعض الأحاديث النبوية الشريفة التي تحض على الصلح لقطع الطريق على نزغات الشيطان، ثم قال لوالد الزوجة: أتسمح لي أن أتكلم معها؟ فرحب الرحل حيث أخذه إلى غرفة مجاورة وبيده العلبة التي كان قد حملها من البيت معه وبعد أن أقنع المرأة بالعفو عما بدر من زوجها والرجوع لبيتها من أجل تربية أولادها، نادى على الزوج وقال له: خذ هذا العقد وقدمه هدية لإرضاء المرأة الطيبة على أن لا تعود لمثل ما فعلت.. وبالفعل عادت الزوجة التي تعيش وزوجها حتى الآن عيشة هنية.

هذه واقعة واحدة مما شهدته من مساعي فقيدنا فضيلة العلامة الشيخ عبد القادر بن أحمد السقاف الذي انتقل إلى رحمة الله الأسبوع الماضي بعد عمر مديد قضاه في الدعوة إلى الله وإصلاح ذات البين في كل قضية خلاف يصل إليه علمها، ومن ذلك أيضاً أنني كنت أتردد عليه في بيته الذي انتقل إليه بالحمراء مع أخي الأستاذ عبد الله عبد الرحمن الجفري عليه رحمة الله، ولما جئته ذات مرة وحدي: سألني وأين هو الحبيب عبد الله؟ قلت: في المستشفى يعاني من مرض ألم به.

قال: هيا بنا قم تكسب الأجر معي. وقد كان بالفعل أن ارتفقني لزيارة الحبيب عبد الله الجفري رحمهما الله جميعاً.

كان هذا قبل أكثر من عشرة أعوام ومرت سنوات اضطره المرض خلاله أن يلزم الدار حتى وافته المنية بعد أن أحيا في حياته ـــ كما قالت عكاظ في خبر وفاته ـــ العديد من الأنشطة العلمية والدعوية والتربوية، وكان يرصع دروسه الفقهية بطرائف الأدب والشعر، غير أنه في شيخوخته لازم الصمت، فوصفه أحد تلامذته بأنه «بليغ في صمته مثل بلاغته في كلامه».

رحم الله شيخنا العلامة عبد القادر بن أحمد السقاف وألهم أهله وطلابه ومحبيه الصبر وجميل العزاء وإنا لله وإنا إليه راجعون.

عكاظ 3/5/1431هـ