حامد مطاوع.. زامر الحي الذي يطرب

استميح القراء الأعزاء في أن يخرج هذا الموضوع عن طبيعته التي يظهر بها عليهم دائما.. كما أرجو أن لا يظهر فيه مدح للذات، فليس هذا هو المقصود.

يقول الشاعر نزار قباني رحمه الله في قصيدة (أبي):
أمات أبوك؟.. ضلال، أنا لا يموت أبي
ففي البيت منه.. روائح.. وذكرى

لقد عاش (حامد مطاوع) طوال حياته يحاول أن يكون رجلا نظيفا أنيقا مثاليا، في ظاهره وباطنه. وقد نجح ــ بقدر استطاعته ــ أن يحقق تلك المحاولات، ويحولها إلى واقع (واقعه الخاص على الأقل)، الذي قد يعجب وقد لا يعجب الآخرين. فقد كانت تلك المثاليات في بعض الأحيان تواجه بالكثير من النقد تحت مسمى (عدم مجاراة الواقع.. والحياة العملية.. ومجريات العصر الحديث..) وما إلى ذلك من عبارات قد تحبط البعض وتجبرهم على التخلي عن بعض قيمهم ومفاهيمهم وقناعاتهم.. ولكن حامد مطاوع ــ بإصراره الجامح ــ ظل متمسكا بها، فكان يعيش الحياة بمفهومه هو، إذ يعتقد أن (التيار) يجب أن يسير وفق توجهاتنا وقناعاتنا.. وليس العكس. المثالية بالنسبة له كانت هي الواقع.. ومن لا يطبقها.. يسير عكس الواقع.

إن من المميزات التي لا يعرفها عن (حامد مطاوع) سوى القلائل ممن تعاملوا معه، هي ميزة (الفلسفة)، فكثيرون يتحدثون عنه كأديب وكصحافي وكمثقف.. ولكنهم لا يشيرون إلى أن كل أولئك أنتج في النهاية فيلسوفا متصالحا مع نفسه.. لم يندم على عمل قام به.. ولم يحمل ضغينة في نفسه.. فكان يلتمس الأعذار لمن يسيء إليه ــ وهم ليسوا كثيرا على كل حال ــ . كان ملخص فلسفته في التعامل النفسي مع كل ما يحيط به، مقولة: (أنت ملاذ نفسك)، فإذا استطاع الفرد أن يتعامل ويتصالح مع ذاته، فقد نجى من كل الشوائب التي يجلبها الإحساس بالغبن والغضب والأسى على النفس. (حامد مطاوع) لم يشعر في أي وقت بأنه مظلوم أو مهمل.. وظل حتى آخر (خفقة قلب) يرى أنه حقق أحلامه وأهدافه ورسالته في الحياة.. منذ ما يزيد عن عقد من الزمان وهو يقول: (كل نفس آخذه وكل خفقة قلب وكل لحظة إضافية.. هي منحة إلهية فوق ما طلبته من الخالق). ورغم ذلك، يظل الطموح صفة ملازمة له لم يتخلى عنها.. طموحه الشخصي وحسب رؤيته الشخصية.

أبي.. يا أبي.. إن تاريخ طيب
وراءك يمشي.. فلا تعتب
رحم الله (حامد مطاوع).. فقد ترك دار الفناء وذهب إلى دار البقاء، بين يدي خالقه.. وأسأل الله أن يخفف عنه حسابه.. ويشمله مع من يدخلون الجنة بغير حساب، وهو القائل: (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله.. إن الله يغفر الذنوب جميعا.. إنه هو الغفور الرحيم).

المصدر : عكاظ