عندما يغتال الوقف أو ينتهك

بالقدر الذي كان الأولون يعتنون بالأوقاف الإسلامية ويحبسون بعض أو كل ممتلكاتهم على أوجه الخير المختلفة، إلاّ أن ما يحدث اليوم من اغتيالات أو انتهاكات بحق الأوقاف يجعل البعض يحجم عن فكرة الأوقاف وهذا يستدعي منا التوقف والتأمّل ومحاسبة النفس على كل ما يجري في هذا الشأن. إذا كانت وزارة الحج والأوقاف سابقًا أو وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد حاليًّا هي الجهة المعنية بحماية الوقف من الاعتداءات عليه، فإن ما يجري ربما يتم في غفلة عن المختصين في شؤون الأوقاف، ربما لتعدد المهام واختصاصات هذه الوزارة، وتعدد قضاياها وربما لأسباب أخرى. الشيء الآخر أموال التعويضات الخاصة بالأوقاف للمنطقة التي نزعت لصالح توسعة الملك عبدالله للحرمين الشريفين لم يتم الاستفادة منها بالشكل الملائم لأسباب إجرائية أو شخصية (عدم كفاءة ناظر الوقف)، أو تعسفية (لجنة النظر) أو غيرها من الأسباب التي يحسن من المرء أن يكثر من (لا حول ولا قوة إلاّ بالله)، و(حسبنا الله ونعم الوكيل).

 وممّا يؤسف له حقًّا أن الأوقاف تغتال بعضها البعض، فلقد أُقيم وقف في إحدى المناطق الحيوية المتاخمة للحرم على حساب وقف آخر أوقفته امرأة منذ زمن، وحددت شروط الوقف والاستفادة منه، ودعت على كل مَن يحاول الاعتداء على وقفها بعبارات يقشعر منها البدن... إلخ..

ومع هذا حصل هذا الانتهاك على مرأى ومسمع الآخرين. لقد أقرّت وزارة الأوقاف بعض القواعد لتكريم كل مَن يدل على وقف مجهول، وقدمت بعض الحوافز، ومع ذلك فإن المكافأة التي يحصل عليها مَن يدل على وقف مهمل أو مجهول من بعض هوامير الوقف هي أكبر ممّا خصصته وزارة الأوقاف، وعلى الوزارة أن تعيد النظر ليس في المكافأة فحسب، وإنما في حساباتها الأخرى المتعلّقة بالوقف لعل من بينها توفير قاعدة معلومات يسهل الرجوع إليها، وإيضاح كل ما لديهم بشفافية متناهية، فليس هناك ما يستدعي إخفاء المعلومة سلبًا أو إيجابًا، وأن ما يتردد عن السلبيات العديدة، هناك ما يقابلها من إيجابيات أعرف عن يقين إحداها وأجملها وهو أن الأوقاف التي نزعت ضمن مشروع شركة مكة للإنشاء والتعمير (والذي يعدُّ أول مشروع لمعالجة العشوائيات). لقد حقق عوائد خيالية قدرت بـ800% عمّا كانت تحقق قبل التطوير، وحتى قيمة أسهمها تضاعفت أيضًا.

أمّا عن العناية بالوقف فيُحسب لجامعة أم القرى أنها أول مَن وجّهت عناية المختصين والمهتمين بالأوقاف في وطننا من خلال اللقاء العلمي الذي نظمته عام 1420هـ، وتلتها بعض الجهود من عدة جهات في هذا الشأن، وقد آن الأوان لتكون الأوقاف ضمن أولوياتنا جميعًا وأن تجد مَن يحميها بقوة من ضعاف النفوس، وضعاف الذمم، وللتأكيد أن لا يكون ما يحدث من انتهاكات سببًا في الإحجام عن الإقبال على فكرة الوقف التي تعد بحق إحدى السمات المميّزة في المجتمع الإسلامي.

إن التوصية بفصل الأوقاف في وزارة مستقلة، أو هيئة حكومية مستقلة أو خلافه كل هذا لا يجدي إن لم يستشعر كل واحد منا بمسؤوليته أمام المجتمع، وفوق كل ذلك مسؤوليته أمام خالقه؛ لأن الوقف أمانة، والويل من الله لمن يخون الأمانة

المدينة 16/3/1431هـ