هل تتبنى هيئة تطوير مكة المكرمة رؤية هذا الملك الصالح ؟!

قرأت بسرور بالغ ما نشرته هذه الصحيفة من تصريحات سمو أمير منطقة مكة المكرمة الأمير خالد الفيصل سدده الله، في عددها الجمعة الماضية 12 ربيع الأول الجاري، حول المخطط الشامل لمكة المكرمة، وتوجيهه بإنهاء المخطط خلال عام، ووضع جدول زمني لتنفيذ المشاريع التطويرية خلال عشرة أعوام، وأيضاً مشاركة الهيئة والأمانة مع الشركة المكلفة بوضع المخطط، لما لديهما من معلومات تُعد أساساً مهماً لوضع المخطط، وأتمنى أن تتاح الفرصة للأهالي وللجهات الأخرى للمشاركة في تصويب مسار التخطيط، (فأهل مكة أدرى بشعابها).

إن العشر سنوات التي حددها سمو الأمير لإنجاز المشاريع التطويرية، تُعد فترة قصيرة جداً لتحقيق هذا الحلم الجميل.. لاعتبارات عديدة، وهو أمر لا يغيب عن ذهن سمو الأمير.. و لكن بالهمة والتنظيم والتهيئة يمكن إنجاز الشيء الكثير خصوصاً فيما يُعد الأساس ليتحقق تطوير شامل، و تنمية حقيقية، ومتوازنة، ومستدامة، وليس جزئيات وجزراً مبعثرة..

ولكي يتم تحقيق هذا الحلم الجميل لابد من توازن الهيئة في نظرتها التي تعتمد حالياً بشكل شبه كلي على القطاع الخاص في إنجاز التطوير، وأن تقوم هي كجهة تمثل الدولة بالتهيئة لتحقيق هذا الحلم، ووضع الدعائم لانطلاق هذه الورشة الكبرى للتطوير، التي تحظى بدعم غير محدود من خادم الحرمين الشريفين وفقه الله، وحرص ومتابعة من سمو أمير المنطقة، وهذا بالمناسبة هو الوضع الطبيعي، وهو القائم في معظم دول العالم المتقدم، وهو أن الدولة هي التي تتولى وضع الأسس والدعائم، وتقوم بدور الميّسر، والمحفّز على مشاركة جميع القطاعات، الحكومية، والأهلية، هيئات، وشركات، وأفراد، في أي نهضة مبتغاة، تنموية، اقتصادية، اجتماعية، ثقافية..

وفي هذه الحالة التي نحن بصددها، يُعتبر تنفيذ المخطط الشامل لمكة المكرمة هو الأساس المتين والراسخ لتطور شامل، وتنمية حقيقة على كل المستويات.

وحلم سمو الأمير وهو حلم المكيين جميعاً لن يتحقق إلاّ بتضافر الجهود والأموال. وبالتالي فنحن في حاجة لمشاركة الجميع، وليس شركات التطوير في القطاع الخاص فحسب، بل إن الحاجة للمبادرات الفردية، وإلى تحفيز مدخرات الأفراد للمشاركة أهم وأعمق وأطول مدى.

وقيام هيئة تطوير مكة المكرمة والمشاعر المقدسة بتنفيذ المخطط الشامل، وأعني هنا تحديداً شق الطرق، تنفيذ البنى التحتية، وتأسيس المرافق بما فيها المدارس، و مباني البلديات و المراكز التابعة لها، ومباني أقسام الشرطة، والدفاع المدني، ومكاتب العُمَد، ومراكز الأحياء، ومرافق النقل العام، والحدائق العامة، والمراكز الصحية، أو على الأقل تخصيص أماكنها و نزع الملكيات، وتهيئتها للجهات المعنية لبنائها، كأن تقوم وزارة التربية والتعليم ببناء المدارس، ووزارة الداخلية ببناء مراكز الشرطة والدفاع المدني والعُمد، ووزارة الصحة ببناء المراكز الصحة و المستشفيات، وهكذا..

أما الاعتماد على شركات التطوير في إنجاز المخطط الشامل فهو رهن لمستقبل مدينة بقدر و قداسة مكة لمحددات القطاع الخاص وشروطه، التي كثيراً ما تتعارض مع ما يجب أن تكون عليه، ناهيك عن قدرتها -وأعني شركات القطاع الخاص- على تمويل ما سوف يطرحه المخطط من متطلبات التطوير، وليس أدل على من ذلك تعثر تمويل المشروعين اللذين بدآ فعلياً، برغم جدواهما الاقتصادية.

ولذلك فإنني على يقين بأن متطلبات التطوير التي سيُفصح عنها المخطط الشامل سوف تكون كبيرة، وتنطوي على تحديات كبرى أيضاً، وبالتالي فإنها لن تتحقق -بعد الله- إلاّ بتدخل الدولة بكل قواها المالية والتنظيمية، ولعبها دور المعجّل، وقيام الهيئة بتبني هذا الدور، هو مما ينفع الناس ويمكث في الأرض، وهو ما سوف يحقق التنمية الشاملة، المستدامة، المتوازنة، وأما الزبد الذي يذهب جفاءً، فهو أن يُترك للقطاع الخاص القيام بهذه المهمة الجليلة، وهي إنجاز المخطط الشامل، وتنفيذ البنى التحتية، والتهيئة لإنشاء المرافق، لأنه لن يتمكن، هذا أولاً، وثانياً سيؤدي إلى تركيز الثروة والمنافع في أيدي الأغنياء منا، وسيرسخ واقع الجزر المعزولة، والنسيج العمراني والاجتماعي غير المنسجم، الذي بدأت تتشكل ملامحه فيما يُبث من صور المشاريع.

النسيج العمراني والاجتماعي لأي مدينة لن يقوى إلاّ بمساهمات أهلها و أفرادها، وليس فقط برؤوس الأموال التي لا تبحث إلاّ عن الربح..

بقي أن أضيف أن الفرصة باتت مواتية لتصحيح وضع ارتفاعات المباني حول المسجد الحرام، وفي عموم مكة شرفها الله، وتحقيق رؤية خادم الحرمين الشريفين حفظه الله في خفض الارتفاعات حول المسجد الحرام بدءاً بسبعة أدوار ثم التدرج كلما ابتعدنا يمكن تحقيقها، لسبب جوهري وهو أن الحجة التي كانت تبرر بها أمانة العاصمة في منح ارتفاعات إضافية حول المسجد الحرام هي ارتفاع أسعار الأراضي، -وإن كنت أرى أنه العكس- قد انتفت وزالت الآن، بسببين، الأول: الهدميات الخاصة بتوسعة المسجد الحرام والساحات الشمالية والتي امتدت إلى الساحات الشرقية، أدت إلى أن تُصبح الأراضي والمباني المواجهة لساحات المسجد الحرام هي ذات الأسعار المنخفضة جداً مقارنة بالتي كانت مواجهة قبل الهدميات.

والثاني هو أن تجميع الملكيات في المشاريع التطويرية مثل جبل عمر وطريق الملك عبد العزيز أحدثت أثر ما نسميه نحن المطوفين التعويم، أي أن متوسط السعر للمتر في أرض المشروع بعد دمج الأراضي الأمامية والخلفية أقل من سعر الأراضي الأمامية المواجهة للمسجد الحرام، وإذا أضفنا إلى ذلك قيام الدولة بدفع تكاليف البنى التحتية في المشاريع التطويرية، فإنه يمكننا تخفيض الارتفاعات، دون التأثير على جدوى المشاريع.

فهل تتبنى الهيئة تحقيق رؤية هذا الملك الصالح وفقه الله.. آمل ذلك وأسأل لها العون والسداد.

المدينة 15/3/1431هـ