فقدناك يا غالية

مساحات كبيرة تحتلها سيدتي الوالدة الجليلة من نفسي حتى انني لا ارى شيئاً جميلاً في الدنيا الا بها، لان امي مصدر من مصادر الدعم والقوة والالهام في كل المواقف التي مرت بها وذلك بما حباها الله من افق واسع وبما عرف عنها من حسم وعزم، حبها وصفاؤها شمل الصغير والكبير والقريب والبعيد. في عصر يوم السبت الماضي الموافق 22/2/1431هـ اختارها المولى الى جواره واسدل الستار عن الرحلة الطويلة المتدفقة بالحب والحنين، حتى الممرضات بالقسم الخاص بمستشفى جامعة الملك عبدالعزيز بكوا على فراقها وقد كانت تتردد عليهم خلال العامين الماضيين بدأت بعملية جراحية رئيسة في الاوعية الدموية تكللت بالنجاح وعملية جراحية اخرى لتغيير المفصل المتاخم للورك وبينهما فحوصات وعلاجات لمرض القلب الذي عانت منه منذ ما يزيد عن عشر سنوات أجريت لها جراحة في القلب وبعدها منظم لضربات القلب، ولقد تجاوزت الكثير من المحن والابتلاءات والمضاعفات المختلفة ولكن عندما أنشبت المنية أظفارها سلمت الروح الى بارئها. كانت سيدتي الوالدة مدرسة من نوع خاص ليس في التربية فحسب بل حتى في المرض وفي الاوقات الحرجة، ولم يكن مستغرباً ان نرى اطباءها في المستشفى التخصصي وفي المستشفى الجامعي من اوائل المعزين فيها، لم تكن الرابطة بيننا وبين الاطباء ولكن كانت بينها وبينهم وبين الممرضات.

محطات عديدة تستحق التوقف والتأمل في حياة سيدتي الوالدة يرحمها الله، لعل من اهمها الدور الطليعي الذي مارسته بكل كفاءة واقتدار في اصلاح ذات البين وتحديداً (بين الزوجين) ودائماً يؤخذ بتحكيمها ليس في دائرة الاسرة فحسب وانما خارج حدود الاسرة وقد وقفوا طويلاً عند قبرها يدعون لها بالثبات عند الحساب وبالمغفرة والرضوان، لقد كانت تبدي تعاطفها مع الرجال في حالة الخصومة مع نسائهم ولكن يحدث هذا الموقف امام الزوجات فقط ولكن في غياب الزوجة يسمع الزوج منها من العتب والتقريع ما يشعره بضآلته، كانت تردد المثل القديم (يا عاملة يا واجده) كما تدين تدان. ومن كلماتها: يا فلان.. تأكد بان الله مطلع على كل صغيرة وكبيرة ولكني اسأل الله ان لا يؤاخذ ابناءك بما فعلته في زوجتك، ومن كلماتها يرحمها الله: اللئيم هو الذي يغلب الحريم. واليوم وأمي تودعنا الى مثواها الاخير اشعر بألم شديد يعتصرني وتباقر عظيم ألم بي وبأشقائي وشقيقاتي ولكن ليس امامنا سوى الاحتساب والصبر ولا نقول سوى إنا لله وإنا إليه راجعون نسأل المولى الكريم ان يبدلها داراً خيراً من دارها وان يسكنها جنات الفردوس مع المتقين والصالحين والابرار وحسن اولئك رفيقاً، كما نسأله سبحانه وقد فقدناك في الدنيا أيتها الجوهرة الغالية ان يجمعنا بك في جنات النعيم، والحمد لله على قضائه وقدره.

المدينة 25/2/1431هـ