الطريق إلى مكة

أهل مكة أدرى بشعابها.
هذا المثل العتيق سوف يخطه البعض من أهالي مكة على يافتات قماشية ويلفونه على صدورهم أو خواصرهم بدلا من العمة أو البقشة عل أحد المسؤولين يتنبه لهم وما يجدونه من غلاء فاحش طال الشقق السكنية.

فمع تسارع المشاريع المتعددة والمختلفة في قلب مكة المكرمة عبر السنوات الأخيرة، وتسابقها في التهام المساحات، ونزع الملكيات وهدم العقارات ففي هذا العام فقط تم هدم 3500 عقار (وهو أمر ضروري لإقامة تلك المشاريع الضخمة) إلا أن هذا الفعل لم يقابله خلق مخططات سكنية جديدة تستوعب من يتم انتقاله من العقارات المنزوعة أو المهدومة (كونه مستأجرا وليس مالكا) مما أدى الى زيادة مرتفعة في طلب استئجار الشقق السكنية، ولقلة العرض وازدياد الطلب ارتفعت إيجارات الشقق ارتفاعا كبيرا لا يتناسب مع دخول الكثير من أهل مكة.

فقد سارع أصحاب العقار في رفع إيجارات الشقق السكنية بصورة فاحشة لا تمكن ذوي الدخول المتواضعة من السكن (كما أن النظام لا يجيز لمن لا يقدر على دفع الإيجار وضع خيام في أي مكان ويسكنون فيها هربا من نار الإيجارات المرتفع) وقد وصل إيجار الشقة ما بين 25 إلى 35 ألفا.

وهذا الارتفاع لم يقابله تنظيم يستوعب الأسر المغادرة لمواقعها الأولى بحيث يوفر لهم سكنا بإيجار يتناسب مع ما كانوا عليه في السابق.. فلو افترضنا أن رب أسرة دخله تسعة آلاف ريال (وهذا دخل مرتفع جدا ليس عليه غالبية الباحثين عن بديل لسكنهم) فإن الإيجار سيلتهم ثلث الدخل والثلثان الباقيان ستتكفل بهما بقية الحوائج وتنهيهما في أيام قلائل من بداية الشهر.

ولأن قضية المستأجر والمؤجر من القضايا التي أرقت كثيرا من الجهات، نجد أن إطلاق حق المؤجر أو المستأجر به ضرر هنا أو هناك مما يستوجب صياغة نظام يكفل للطرفين راحة البال.. لكن أن تطلق يد المؤجر فهو قتل وقهر للكثيرين من الناس الذين لا يقدرون على دفع إيجارات تفوق دخولهم أو تلتهم ثلها.

وأعتقد أن ما يحدث في مكة من توسعة شبه مستمرة مما يؤدي إلى التنقلات المستمرة أيضا يقتضي وجود بدائل سريعة وموازية لنزع الملكيات كأن توجد مخططات سكنية جديدة تستقبل المنتقلين من قلب مكة ولأن مثل إيجاد هذه المخططات يحتاج إلى فترة زمنية معينة يستوجب قبل البدء في النزع أو الهدم أن يكون هناك توازٍ بين بناء المخططات الجديدة ونزع العقارات القديمة.. كما يستوجب الأمر أن يوجد نظام عقاري خاص بأهل مكة يضع سقفا لإيجار الشقق السكنية هناك.

وإن لم يحدث ذلك فكثير من أهل مكة نوى لف خاصرته بقطعة قماش وكتابة المثل المكاوي (أهل مكة أدرى بشعابها) تحسرا على سقوط هذا المثل كون الشعاب هي التي لم تعد تعرفهم

عكاظ 2/2/1431هـ