الآثار بين التأصيل العلمي والوهم الفردي
سعدت بالآراء النيرة التي طرحها العالم الفاضل الدكتور عبدالوهاب ابو سليمان في حفل تكريمه في نادي مكة الثقافي الادبي يوم الاثنين 18/1/1431هـ وهذا العالم يتألق فكراً ووعياً في طروحاته التي جاءت عن تأصيل علمي وفقه لما يتكلم عنه زاده الله بصراً وبصيرة.
سبق ان كتبت عن كتابه (باب السلام) الذي ارخ فيه للثقافة في مكة المكرمة، وها هو اليوم يقدم كتابه الاخر (الاماكن المأثورة المتواترة في مكة المكرمة، عرض وتحليل) حيث قدم موجزاً لاهم افكاره في حفل التكريم، وقد دحض بما قاله من آراء (مبنية على العلم) ما يروج له من يدعون لطمس الاثار، وكل ما عندهم الخوف من ان تؤثر على عقيدة المسلم الزائر، وكأن الاثار قد ولدت بالامس وليست منذ خمسة عشر قرناً اما الاثار غير الاسلامية فهي منذ قرون طويلة وهي جزء من تاريخنا الوطني.
من المؤسف ان ينشغل بعض الدعاة بمثل هذه الامور (التي لا يقرهم عليها احد من العلماء الواعين) بدلاً من ان يَهْدُوا الناس الى الاسلام، وانا على يقين انهم حين ترتقي ثقافتهم التاريخية والاثارية بما يوافق الاسلام الصحيح سيتراجعون عن كل تلك الاراء وآمل الا يكون ذلك بعد طمس الاثار وعسى الا يكون بعيداً.
لقد جاء بعض ما طرحه د.ابو سليمان مقنعا لمن يبحث عن الاقناع اما من يقول (الرأي ما رآه شيخي ولستم بأعلى منه) فلن يتراجع حتى امام نصوص القرآن كما قال الامام محمد بن علي الشوكاني، ولا ادري اهو لم يقرأ ما ورد في القرآن الكريم من تأمل الاثار واخذ الدروس والعبر منها؟.
أوضح د.ابوسليمان أن من يشكك في الآثار الإسلامية يزعزع ويخلخل أذهان الناس، وهل العلماء السابقون الذين كتبوا عن هذه الآثار كانوا غافلين أو مدلسين على الناس؟ وإن وجدت ممارسة مخالفة من بعض الجهال فإن المطلوب هو إزالة الجهل وليس إزالة الآثار، وأوله إزالة الجهل ممن لم يدرس التاريخ مكتوبا في الكتب، أو حياً في الآثار، ولابد أن يعرف أن التاريخ هو الباقي والملهم للأجيال أما الناس فيموتون ما لم يدونوا علمهم في مؤلفات تكون نبراسا لمن بعدهم.
شكك مرة شخص في مسجد العريش في بدر فقلت له: وأنا أشك أن معركة بدر وقعت في هذا المكان، ولماذا لم تكن في الطائف حيث حدثت معركة حنين، وهذا الموقع يقال له: بدر حنين، فقال: سبحان الله تشكك في تواتر الأمة، فقلت: وكيف لم تقبل تواتر الأمة على موقع مسجد العريش، فمشكلة من يدعون لهدم الآثار ليست مبنية على علم ولا على فقه بل أقصى ما لديه سمعنا عن شيخنا أو نخاف أن تؤدي لبدعة، ولماذا لا نخاف من الطريق السريع المزفت فهو يؤدي للسرعة والسرعة تؤدي للموت، فالأوهام لا تقابل العلم، وإزالة الآثار جناية على تاريخ الأمة، فهي شواهد حية للتاريخ الإسلامي وإزالتها محو لهذا التاريخ كما قال د.ابوسليمان.
في بلادنا آثار نبوية نقلها لنا (كتابة) المؤرخون (وواقعاً) من عُني بها من المسلمين، وفيها آبار وجبال وأودية وحصون وطرق وغيرها خدمها العلماء بما ألفوا عنها، وهانحن اليوم نقرأ ما ألفه مؤرخو السيرة ومؤلفو المواضيع وما وصفه الرحالة فكانت نبراسا لمن عُني بها في الوقت الحاضر، أو كتب عنها، لتعيها الأجيال وتستلهم تاريخها، والأسوة تكون بمثل هؤلاء العلماء وليس بجاهل يحتاج لتوعية ونصح إذا زار أثراً، والأسوة تكون بعالم يأخذ الدروس والعبر إذا وقف على مكان معركة أو بئر حفرها فاعل خير على طريق الحج أو مساجد صلى فيها المجاهدون مما يعزز الانتماء لدى الاجيال .
المدينة 25/1/1431هـ