لكي تكون مكة أجمل مدن العالم!!

«علينا مسؤولية أن نقدم للعالم أجمع مكة المكرمة كمثال للتقدم والحضارة والرقي بالإنسان، عبر تقديم أفضل الخدمات لزائريها، وجعلها غاية في الجمال والكمال والنظافة والمحتوى المبهر». و«نريد أن تكون مكة المكرمة رمزًا للحضارة والإنسانية والثقافة والعمران، بما يرتقي بالمكانة الإسلامية لمكة المكرمة عمرانيًّا وتنظيميًّا، لنقدمها للعالم أجمع كأجمل مدينة في العالم». هذه مقتطفات من تصريحات صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة، وهو يؤكد (إصراره) على أن تكون مكة المكرمة أجمل مدن العالم.. ومكة المكرمة تستحق هذا وأكثر، وهي لم تحظَ حتى الآن بما تستحقه، مقارنة بعِظَم مكانتها وقدرها عند الله، وعند الناس.. إن الوصول إلى الهدف الكبير الذي أعلنه سمو الأمير بأن تكون مكة المكرمة رمزًا للحضارة والإنسانية والثقافة والعمران، وأن نقدمها للعالم أجمع كأجمل مدينة في العالم، ليس مستحيلاً، خصوصًا إذا وقف خلفه الرجال أصحاب الهمم العالية، أمثال خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وأمير منطقة مكة المكرمة الأمير خالد الفيصل -وفقهما الله سبحانه وتعالى- ولكن لتحقيق هذا الهدف متطلبات، لن يتحقق دون توافرها، ولعلي أستعرض في هذه المساحة ما أرى أنه جوهري، وأعتبره أساسًًا ومنطلقًا لإدارة عملية كبرى للتطوير والتغيير.. أول هذه المتطلبات العناية بإنسان مكة المكرمة، لأنه هو الذي سيحمل العبء الأكبر في تحقيق حلم أميرها، إذ بعلمه، وعمله، وفكره، وأدبه، وثقافته، وسلوكه، سوف يجسّد الحلم بأن تكون مكة المكرمة رمزًا للحضارة والإنسانية والثقافة والعمران، ويجعله حقيقة..

إنسان مكة المكرمة الذي اضطر -على مدى عقود مضت ولا يزال- إلى تركها إلى المدن الأخرى بحثًا عن فرص العمل، والتجارة. وآخر موجات النزوح، هي التي نعيشها الآن، وهو نزوح إنسان وأموال، فقد اضطر بعض الأهالي للانتقال إلى جدة، بسبب قلة المعروض من المساكن وارتفاع إيجاراتها، وكذلك أموال التعويضات بسبب ارتفاع أسعار الأراضي، وضعف نسبة العائد للاستثمار العقاري في مكة المكرمة. كل هذا يحدث وليس هناك مَن يرصد هذه الأمور، أو يبحث آثارها على إنسان مكة، وعلى التنمية في مكة، ولا على أي مستوى (الغرفة التجارية - أمانة العاصمة - الإمارة - مجلس الاقتصاد الأعلى). إنسان مكة المكرمة الذي غاب وانزوى بعيدًا عن دوائر الاهتمام -عن غير قصد- في خضم تركيز الجهات المعنية بالتطوير على المشاريع التطويرية الموجهة لخدمة ضيوف الرحمن من الحجاج والمعتمرين، ونظرة فاحصة للمشاريع الكبرى التي نُفذت خلال العقد الأخير تجلّي هذا الأمر بوضوح.

حتى خطط التطوير لمدينة مكة المكرمة تتم بعيدًا عنها، وليس لأهلها مشاركة فاعلة في وضعها وتحديد أهدافها مع أنهم هم الأدرى بشعابها، وأكثر ما أخشاه أن يصطدم تنفيذ هذه الخطط بالواقع، ويكون مصيرها مصير سابقاتها إلى الرفوف، ويستمر الفعل في المشرفة مكة دون تخطيط.. لقد أحسن واضعو الخطة الإستراتيجية لتطوير المنطقة (مكة المكرمة إلى العالم الأول) على جانب العناية بإنسان المنطقة، لأنهم عرفوا أنه هو مَن سيحمل الجزء الأكبر من مسؤوليات النهوض بمتطلبات الخطة وتحقيق أهدافها، وهو ما يشير بوضوح إلى إيمانهم بأن الإنسان يظل هو المورد الأهم في إنجاز كل المشاريع التطويرية والتنموية، واستدامتها أيضًا. ولقد سررت كثيرًا بالقرار السامي الأخير الذي عدّل القرارات السابقة بشأن هيئات تطوير مكة المكرمة، وعودة الأمور إلى نصابها الصحيح، بتخصيص هيئة عليا لتطوير مدينة مكة المكرمة -وليس المنطقة- والمشاعر المقدسة، وأتمنى أن يكون للهيئة الجديدة دور في شراكة حقيقية وفعّالة لأهالي مكة المكرمة، وفعالياتها الحكومية والأهلية في رسم مستقبلها، فهم -كما ذكرت- أدرى بشعابها، وبمتطلبات خدمة وإكرام ضيوفها، ولآرائهم أهمية بالغة في هذا الشأن، ولمشاركتهم أثر (المعجّل) في مراحل التنفيذ، الذي سينتج عن درجة التزام أكبر بسبب مشاركتهم في وضع الخطط، وتحديد الأهداف، ورسم مستقبل مدينتهم..

إن الهجرات المتتابعة للشباب والكفاءات من مكة إلى المدن الأخرى بحثًا عن فرص العمل والترقية، وعن التجارة، له انعكاسات سلبية على التنمية والتطور الطبيعي في مكة المكرمة، ومن أمثلة هذه الانعكاسات ما تعانيه العديد من المؤسسات الأهلية، مثل جريدة “الندوة”، والغرفة التجارية، ونادي الوحدة، وكذلك انصراف الفعاليات الهامة عنها، كالمعارض والمؤتمرات الكبرى، بل حتى جائزة مكة المكرمة للتميز التي فرحنا بها كثيرًا لم تجد مكانًا لحفل توزيعها الأول في مكة، ومسابقة تجميل مكة المكرمة التي ترعاها أمانة العاصمة، ودُشنت الأسبوع الماضي لم تجد مكانًا لإعلانها وتدشينها في مكة.. إن من متطلبات تحقيق الحلم أن تظل الدولة هي المحرّك الأساس لتطوير مكة، وأن لا تتركها مرتهنة للقطاع الخاص ومحدداته، فمكة أعظم من أن يُترك مستقبلها لمحددات القطاع الخاص المبنية على الربحية ومبادئ الرأسمالية، التي قادت الجهات المعنية إلى التوسع في نزع الملكيات لصالح شركات التطوير لتحقيق الجدوى الاقتصادية، وإلى تجاوز أنظمة ارتفاعات ومساحات البناء..

إن أداء القطاع الخاص عرضة للتذبذب، ومثاله أزمة التمويل الحالية، بسبب الأزمة المالية العالمية، التي قد تؤخر أو حتى توقف بعض المشاريع التطويرية الكبرى، وارتهان تطوير مكة لظروف القطاع الخاص، قد يؤدي إلى تأخر التطوير لعدة عقود، وبالتالي بطء معدلات التنمية، وهو ما سيضر حتمًا بمكة وأهلها وزوّارها.

ولذلك فإن قيام الدولة بتمويل وإنجاز المخطط الشامل لمكة المكرمة على سبيل المثال، وهو ما أكد عليه سمو أمير المنطقة عقب ترؤسه الاجتماع الأول للهيئة العليا لتطوير مكة المكرمة والمشاعر المقدسة عندما قال: «إن مخطط مكة الشامل يأتي في مقدمة المشاريع التي ستعمل الهيئة على إنجازه» سوف يكون إحدى ركائز التطوير والتنمية الحقيقية المستدامة في مكة المكرمة..

المدينة 25/1/1431هـ.