القنوات الجديدة والآمال المرجوة
الفرح بالإعلان عن هذه القنوات الجديدة لن ينسينا التساؤل عن ما بُذل في الإعداد لها من جهد علمي وفكري يعتمد الوسطية والاعتدال.
كانت تجربتنا المحلية مع القنوات الرسمية الفضائية، والتي تبث من بلادنا إلى العالم الناطق بالعربية من حولنا يعتز بها الكثير من الأخطاء، ولعلّها كانت في أحيان كثيرة، تنقل إليهم ما يعينهم على تنميطنا وتصنيفنا بالمتشددين، الذين يحرّضون على التفرقة والكراهية، فكم سمعوا من خلالها القدح فيهم، وفي مذاهبهم وطوائفهم، وكم من ندوات وبرامج كانت تبثها قنواتنا، وهي تنقل إلى الآخرين صورة عنا لم نرتضها، ولم نكتشف عظيم ضررها، إلاّ بعد أن وقعت كارثة الحادي عشر من سبتمبر عام 2001م، ومرت بنا بعدها فترة وهن فيها تسرب التشدد إلى برامجنا التلفازية والإذاعية، وأطل علينا من خلالها آخرون مختلفون يدعون إلى الاعتدال والوسطية، وغابت عنها وجوه لا يختلف بين الناس على نمط تشددها وغلوها في أمر الدّين، ولم يلبث ذلك إلاَّ قليلاً، حتى رأيناها تعود إلى ساحة إعلامنا المرئي والمسموع مرة أخرى، ورغم أننا ندرك أن تجنّب هذا التيار المتجدد المتشدد على أرضنا كاد أن يكون مستحيلاً، إلاَّ أننا -ولا شك- قادرون على الحد من هذا الأسلوب المضر بصورتنا وسمعتنا، بل وبالغ الضرر بحياتنا داخل هذا الوطن بما يفرضه عليها من قيود لم يأذن الله بها، عن طريق وسائل الإعلام المختلفة، أقول هذا ونحن نستقبل خبر انطلاق أربع قنوات فضائية رسمية جديدة، منها قناتان دينيتان، إحداهما قناة للقرآن الكريم، تنطلق من مكة المكرمة، وثانيتهما للسنة النبوية تنطلق من المدينة المنورة، والفرح بالإعلان عنهما لن ينسينا التساؤل عن ما بذل في الإعداد لهما من جهد علمي وفكري ناضج يعتمد الوسطية والاعتدال، فالضرر الناتج عن اختطاف مثل هذه الوسائل من قِبل تيار التشدد والغلو سيكون فادحًا، ونحن لم نتخلّص بعد من آثاره في العقود الماضية، وما صنعه لنا من صورة مشوهة عبر العالم، ومنها قناتان أخريان إحداهما اقتصادية، وقد سبقتها قناة خاصة لم تنجح، لأنه لم يخطط لها بشكل مدروس، ولم يعد لانطلاقها بأصول علمية وإعلامية، ولا بد لهذه القناة الجديدة أن يكون قد أُعد لها الإعداد الجيد،
وحُشدت لها الكفاءات ذات المعرفة والخبرة، القادرة على النهوض بوسيلة إعلام متخصصة، والقناة الأخرى ثقافية وأمر الإعداد لها إن لم يكن جيدًا ودقيقًا فلن يكون لها الجدوى التي يتوق إليها كل مثقف، ولعل الكثير من مشاريعنا الثقافية الرسمية آل أمرها إلى الفشل بسبب عدم الإعداد الجيد لها قبل الانطلاق، والغريب أنه لم يعلن عنها إلاّ عند انطلاقها، ولا نعلم هل تم الإعداد الجيد للقنوات الأربع، وهل هُيئت لها الكوادر الإعلامية والعلمية المؤهلة، والتي يمكن الاعتماد عليها في هذا المجال الحيوي والمؤثر، والذي نرحو أن يكون تأثيرها إيجابيًّا يتسق مع الجهود المبذولة للنهوض بهذا الوطن، والذي تسعى قيادة الوطن ونخبه إليه جاهدين، فكثير من التجارب الفاشلة والمحيطة يولّد يأسًا، نحن مَن يجب أن نكون أشد الناس حذرًا له، بعد أن ذقنا منه ألوانًا، ثم هل خطط لها التخطيط الدقيق الذي يجنّبها عثرات وسائل إعلامنا المرئية والمسموعة في الفترة السابقة، والتي لم يعد أحد منا ينكرها، وكان لنا أمل في وزارة الإعلام، وقد أُضيف إليها الاهتمام بالثقافة، أن تفكر بصوت مسموع، يبلغ أسماع جموع مثقفي هذا الوطن، وأن تتيح لهم أن يشاركوها الرأي في كل خطوة تعتزم القيام بها لمصلحة الثقافة والإعلام، وهما صناعتان لا يمكن النهوض بهما إلاّ من خلال العاملين في حقليهما، وهما مرتبطان ببعضهما ارتباطًا عضويًّا متمازجًا، ولعل تجربة التظاهرة التي جرت قبل أيام تحت مسمّى المؤتمر الأدبي الثالث، والذي أظن أن جل المرتبطين بحقل الثقافة أبدى رأيًا سلبيًّا حولها، وأكد أنها جاءت مرتجلة لم تحظ بنسبة قبول معقولة ممّن استهدفتهم بهذه الظاهرة، وانفض سامرها عن توصيات لم يصنعها المؤتمر، إننا وإن كنا نحسن الظن بالعاملين في هذه الوزارة إلاّ أننا نطالبها أن تكون دومًا قريبة ممّن تشرف عليهم من المثقفين، ومنهم الإعلاميون، بأن تشركهم في كل قرار تتخذه، ويعينهم بالدرجة الأولى، فهذا أجدى لهم وأنفع، وأيسر لها لتزداد الثقة فيما بينها وبينهم، فيتعاونوا معها بجد وإخلاص، والنجاح لها لا يكون إلاّ بهذا، وهذه القنوات لن نستطيع الحكم عليها حتى يستمر بثها ونتابعها، ونتمنى
أن يكون لها دور فاعل في نهضة الوطن، وهو الأمر الصعب الذي لن يتحقق إلاَّ إذا عهد بها إلى الأكفاء القادرين على العمل المبدع في هذا المجال، فلا حاجة لنا أن نضيف إلى سماء البث قنوات جديدة في السماء مثلها تبث كل يوم ولا تصنع تأثيرًا إيجابيًّا، بل الكثير منها يصنع التأثير السلبي السريع، والأمل يتجدد كلّما صدر عن وزارة الثقافة والإعلام خطوة جديدة في زمن حرية التعبير والانفتاح على العالم من حولنا، إذ لم تنسَ أن لها شركاء لا بد وأن يكون لهم حضور في كل جديد تريد الإعلان عنه، وهذا ما نرجوه، والله ولي التوفيق.
المدينة 8/1/1431هـ