فاجعة جدة .. ما بين آفاق الأمل ودركات الإحباط!

تطلعات الرأي العام لنتائج الأمر الملكي الكريم، واعتباره نقطة تحوّل حقيقية، وانطلاقة عملية لمشروع خادم الحرمين الإصلاحي الكبير في مجال حماية النزاهة ومكافحة الفساد، وسقف توقعاتهم المرتفع للقرارات التي ستواجه ما جرى كل ذلك يُشير بوضوح إلى حجم الأمل الذي بثه القرار في نفوسهم بعد أن عشعش فيها الإحباط

في البداية لابد من تهنئة سيدي خادم الحرمين الشريفين، والأسرة الملكية الكريمة، والشعب السعودي العظيم بعودة صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز من رحلته العلاجية، بعد أن منّ الله عليه بالشفاء، وأسأل الله أن يديم عليه لباس الصحة والعافية، وأن يوفقه لما يحبه الله ويرضاه في خدمة دينه وبلده ومواطنيه.

ثم لاشك بأن فاجعة جدة كشفت عن حجم الفساد والخلل الذي تغلغل في أداء جهات معنية بشؤون المدينة، وعن قدر الارتخاء الذي أصاب مفاصل الأداء الحكومي والأهلي، وعن اللامبالاة والأنانية التي تفشت بيننا.

لقد كشفت الفاجعة عن حجم الأضرار التي تكبدها وسوف يتكبدها المجتمع بسبب تعطيل حراك المجتمع المدني، الذي لازال نظامه حبيس الأدراج في وزارة الشؤون الاجتماعية، وبرغم الجهود المقدرة لمن بادر بتنظيم حملات التطوع من أجل مساندة المتضررين مادياً ومعنوياً، وقبلهم من بادر إلى إنقاذ الناس، وعرّض حياته للخطر، وبعضهم فقد حياته، مثل أخينا الشهيد -بإذن الله- فرمان علي خان، أقول برغم هذه الجهود المباركة، والصورة المشرقة للتكافل والنجدة، إلاّ أن هناك غياباً واضحاً لدور منظمات المجتمع المدني، بما في ذلك القائم منها كالجمعيات الخيرية وبدا واضحاً أن لا وجود لأي خطط في مواجهة الكوارث لدى الوزارة والجمعيات التي تُشرف عليها.

وكشفت الفاجعة أيضاً عن حجم الضرر الذي نجم عن تعطيل دور الصحافة في ممارسة الرقابة على أداء الجهات الحكومية والأهلية، وأبرزت نموذجاً مؤلماً لما ستؤول إليه الأوضاع في ظل ممارسة المديح والنفاق، والكذب، والخداع، وتسمية الأشياء بغير أسمائها، وتصوير الأوضاع على طريقة (كله تمام يافندم).

أذكر أن هناك توجيهاً من خادم الحرمين الشريفين أصدره للمسؤولين في الجهات الحكومية عندما كان ولياً للعهد، بأن عليهم متابعة ما تنشره الصحف عن جوانب القصور في أدائها، وأن تأخذ ما يُنشر مأخذ الجد، وأن تشكل وحدات لمتابعة ما يُنشر، والعمل على إزالة القصور.

إن ما يحز في النفس أن ما نُشر عن واقع مدينة جدة في مسألة المياه والصرف الصحي وتصريف السيول على مدى ثلاثة عقود مضت يكاد يستعصي على الحصر، ومن المؤكد أنه لا يوجد مواطن ولا مسؤول إلا ولديه على الأقل علم بأن هناك مشكلة تستوجب الحل، ولكن للأسف النتيجة هي ما وصلنا إليه، خسائر كبيرة في الأرواح، تُشير الأخبار والصور إلى أنها أكبر بكثير مما تم إعلانه حتى الآن.

إن تطلعات الرأي العام لنتائج الأمر الملكي الكريم، واعتباره نقطة تحوّل حقيقية، وانطلاقة عملية لمشروع خادم الحرمين الإصلاحي الكبير في مجال حماية النزاهة ومكافحة الفساد، وسقف توقعاتهم المرتفع للقرارات التي ستواجه ما جرى، وتمنع تكراره، كل ذلك يُشير بوضوح إلى حجم الأمل الذي بثه القرار في نفوسهم بعد أن عشعش فيها الإحباط، وكاد أن يقتل فيهم أي رغبة للمبادرة.

وفي تصوري أن الرأي العام يتطلع إلى منهجية في تقصي الحقائق تسمح لها بتتبع كل ما رُفع للجهات العليا التي تُشكل مراجع للجهات المعنية في مدينة جدة ومنطقة مكة المكرمة، وإلى الشفافية الكاملة في التحقيقات، وفي إعلان النتائج التي سيتم التوصل إليها. وللحديث بقية.

ثورة في فكر هيئة الأمر بالمعروف
فاجأنا الشيخ الدكتور أحمد الغامدي رئيس هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في منطقة مكة المكرمة بما كتبه حول الاختلاط ونُشر بصحيفة عكاظ يومي الأربعاء والخميس الماضيين، وهو أشبه ما يكون بثورة على ما قامت عليه هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر -منذ عقود-، في تعاطيها مع العلاقات بين الرجال والنساء، فقد تجاوز الشيخ جواز الاختلاط في أماكن العمل والدراسة إلى جواز الخلوة بالمرأة عند الناس، وجواز إرداف الرجل للمرأة الأجنبية خلفه، وجواز أن تفلي المرأة رأس الرجل الأجنبي، وأن تحلق وتقصر شعره، وجواز مصافحة النساء من غير ذوي المحارم، وجواز النظر إليهن، مستدركاً على كل ذلك بأن يكون في غير فتنة وفي غير تهمة، وضعّف جميع الأحاديث التي تُحرم ذلك.

وإن كنت لست في موضع تفنيد ما قاله الشيخ تفصيلاً، وبرغم قناعتي بغموض مصطلح الاختلاط، والتوسع في تحريمه، لكني أرى في المقابل بأن الشيخ توّسع وعمّم في التجويز في الاختلاط، والخلوة عند الناس، والمصافحة، والإرداف، والفلي والحلق والتقصير، والنظر، ولم يبين الأحوال التي تنتفي فيها التهمة والفتنة، في حين أنه أخبر الناس بما يقع جراء الاختلاط في أماكن العمل من خلوات وعلاقات ومفاسد عندنا وعند غيرنا. لذلك كنت أتمنى عليه أن لا يندفع مع الموجة، وأن يتأنى، ومن ثم يُفتي بما تتحقق به مصلحة المجتمع. والله أعلم.

المدينة 27/12/1430هـ