زيارة الآثار والشرك المزعوم

ليس من مهمة المطوفين الذين شرفهم الله بخدمة حجاج بيته في مكة أو الأدلاء في المدينة أن يمنعوا الحجاج من زيارة تلك المعالم

ان المواقع التاريخية المرتبطة بالسيرة النبوية، والآثار الاسلامية في هذا الوطن هي من المعالم التي يتوق الى الاطلاع عليها وزيارتها كل مسلم يهفو فؤاده للوصول الى البقاع الطاهرة، وظلت كذلك على مر العصور، منذ انبثق العهد الاول للرسالة وحتى يوم الناس هذا، ولم ينقطع حجاج بيت الله وعماره، وزوار مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن زيارتها والاستمتاع باسترجاع ذكرى الايام الخوالد، التي شع فيها النور من هذه الربوع الطاهرة فغمر الكون كله، وليس من مهمة المطوفين الذين شرفهم الله بخدمة حجاج بيته في مكة او الادلاء في المدينة ان يمنعوا الحجاج من زيارة تلك المعالم، بل ولا يجب ان يقوموا بذلك، فهذا امر لم يوكل اليهم لا نظاماً ولا يأمرهم به عقل او شرع، واذا وقع من بعض الحجاج عند زيارتهم هذه المعالم الاثرية اخطاء فعندها من ينبههم لذلك، ولكن ذلك لا يحرم سائرهم من الاطلاع عليها ورؤيتها، وكل الامم على وجه الارض تفخر بتاريخها المتمثل في آثارها، وتحافظ عليه وتعرضه في مواقعه في ابهى صورة، والمنقول منه تعرضه في متاحفها، وليس بيها في الماضي او الحاضر من خشي ان تعبد هذه الآثار او ان تصبح اوثاناً، ونحن في هذا الوطن الاغلى بين اوطان المسلمين ندرك اهمية الاثار الثقافية وارتباطها بالهوية الوطنية، ولنا هيئة اثار تعنى بها وتحافظ عليها وتصونها، وتنقب عن المطمور منها في الارض، الذي لم يسبق كشفه تظهره ثم تصونه، ونحافظ حتى على اثار تاريخنا القريب ونصونها في الدرعية وفي مواطن عدة في مدننا ترتبط بوحدة هذا الوطن ونشوء كيانه السياسي والوطني ولموحد مملكتنا الملك عبدالعزيز يرحمه الله دارة تحتوي على بعض متعلقاته، تعرضها على مواطنيه،

وهذه المواقع الاثرية المتعلقة بسيرة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمكة المكرمة والمدينة المنورة وما بينهما يجب ان يحافظ عليها وتصان، ويعرف بها، ومنها ما ذكره هذا المتوهم للشرك والوثنية في كل شيء حتى في احكام العبادات المحضة كفار حراء وغار ثور وموضع مولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكل موضع له علاقة بسيرته عليه الصلاة والسلام يزورها كل وافد على هذه البلاد من المسلمين عامتهم وخاصتهم لا لقصد العبادة، وانما للاطلاع عليها واسترجاع نفخات هذا النور الذي حمله سيدنا رسول الله صلى الله ‏عليه وآله وسلم الى البشرية كافة، ولم يمنعوا قط من ذلك، ولم ‏يمنعوا منه مستقبلاً، وما يذكره نجيب يماني ويصوره لحال حجاج ‏بيت الله الحرام عند زيارتهم لهذه المواقع ادعاء لا يمكن اثباته وأجزم ‏انه شهد بما لم يعلم ولم يرَ، وفيه اتهام متضمن لاجهزة الدولة ‏المشرفة على شؤون الحج، بأنها تسمح بتلك الافعال التي ذكرها من ‏تمسح بالاحجار وصرف العبادة لها، مما اسماه عين الشرك والوثنية، ‏واتهم به جموع المسلمين الذين وفدوا للحج والعمرة والزيارة، مما لم ‏يجرؤ عليه من قبل من كان أشد عداء للآثار المتعلقة بسيرة الرسول ‏‏صلى الله عليه وآله وسلم على مدى الزمان، ثم بدأ حملة شعواء ‏على المطوفين وحملهم وزر أوهامه، وادعى وجود ظاهرة تتفاقم كما ‏زعم في العشر السنوات الاخيرة، لم يرها سواه ولم يعلم بها غيره، ‏واتهم المطوفين بالاتجار بذممهم وبيع اماناتهم لقاء حفنة من النقود ‏ووسخ الدنيا، وحذرهم وبال وسوء العاقبة في الدنيا والآخرة في ‏تجاوز غير مسبوق ووقوع في اعراضهم يجب ان يحاسب عليه، ‏واترك لمؤسسات الطوافة ان تدافع نفسها مما هي حتما بريئة منه، ‏فما يصح السكوت على مثل هذا ابداً، واما المواقع التاريخية والاثرية ‏فستبقى معالم لتاريخ مجيد، يعتز به ابناء هذا الوطن لانه اهم جزء ‏من هويتهم الوطنية، رغم أنف الحاسد المستثير لغضبهم،

وهي كما ‏ظلت عبر الزمان وفي المكان معالم عز وكرامة ستبقى ابد الدهر ‏كذلك، يستجلي فيها المسلمون تاريخ نبيهم وصحبه بناة هذا التاريخ ‏المجيد، وان ردد مثل نجيب هذه الاوهام، وهو في الآونة الاخيرة، قد ‏انتقل من النقيض الذي هو استهتار في جله باحكام الشرع والادعاء ‏بانها لا تثبت لأن أدلتها كما يزعم اخبار آحاد، وتجنيه على علماء ‏افذاذ من الأمة من الائمة الاعلام، الى نقيض هو غلو مذموم، عله ‏يتقرب به الى تيار ليس له عندهم قبول، وان اصبح اكثر منهم غلواً ‏وتشدداً، فهيهات ان يلتفتوا اليه، وله معهم مواقف شاذة بلغت في جلها ‏اقصى التجني عليهم، باتهامهم بشتى التهم الجارحة، ونسبة اقوال ‏اليهم لم يذكروها او يتطرقوا اليها، وهذا ليس دفاعاً عنهم، وانما ذكر ‏للحقيقة والواقع، فنجيب لم يعد يدري ما يقول، ينتقل من صف الى ‏آخر، ولا يستبقي له مودة أحد، سواء اتفق معه او اختلف، ونجيب لم ‏يؤتَ حظاً من علم يتكئ عليه في ما يطرح من افكار ولا يحسن فهماً ‏لما يقرأ من كتب العلم، ان كان فعلاً يقرأها، فغاية ما يفعله ان يردد ‏اسماء العلماء وعناوين كتبهم، وان يدعي ان فيها ما يردده من ‏الاوهام مما ذكرناه في عدة مقالات من قبل، أملاً في أن يردعه هذا ‏عن ذاك العبث الذي يمارسه كل يوم على صفحات الجرائد، وعله بذلك ‏يراجع نفسه ويعرف الطريق الى الحق، ولكنه مستمر في خطة لعله ‏دفع اليها وحرض عليها، وحتماً هي فاشلة لا تؤدي الى أي غاية سليمة، وسيدرك إن عاجلا او آجلا خطأ هذه الخطة وضررها الفادح ‏عليه، وقد بذلنا له النصح مخلصين محبة له ومودة، لكنه أعرض ‏عنها، فلم يعد لنا خيار الا مواجهة هذا العبث ببيان الحقائق، ليعلم ‏الناس مقدار اخطاء نجيب التي تتوالى حتى لا يخدع بها السذج من ‏الخلق، فهذه أمانة يجب علينا اداؤها، علنا نؤجر على ذلك، وهو ما ‏نرجو والله ولي التوفيق.

المدينة 20/12/1430هـ