ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم
ها هم الحجيج يتوافدون إلى مكة المكرمة – زادها الله رفعة وتشريفا – من كل حدب وصوب قاصدين بيت الله العتيق تلبية لدعوة سيدنا إبراهيم عليه السلام حين امتثل لأمر الله سبحانه وتعالى حين قال: « وأذّن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامرٍ يأتين من كل فجٍ عميق» الآية، وبذلك أصبحت مكة المكرمة مهوى العباد وقاصدي أداء النسك لإتمام الركن الخامس من أركان الإسلام حيث يجتمع الجميع في صعيد واحد، ولباس واحد، قاصدين إلهًا واحدًا، راجين رحمته وطالبين عفوه وغفرانه، حيث يستوي الفقير والغني، والأبيض والأسود، والعربي والأعجمي، وصلوا إلى بلدة طيبةٍ وربٍّ غفور، بعد طول عناء ومشوار طويل، وقد استهلك السواد الأعظم منهم جلّ حياته في جمع الغالي والنفيس مع التقتير على نفسه وعياله من أجل أن ينعم بأيام معدودات في رحاب البيت العتيق، والمشاعر المقدسة، وهذه الأيام القلائل التي يقضيها الحاج بجوار بيت الله الحرام، ومسجد نبيه المصطفى –صلى الله عليه وسلم – يرى أنها تساوي الدنيا وما فيها، وقد يرويها سنوات عديدة لأهله ومحبيه، ويبقى دائما في اشتياق لتكرار هذه التجربة الماتعة في حياته. ويقبل الحاج لأداء النسك فرحا مستبشرا متمسكا بآداب الإسلام مؤديا لفرائضه في خشوع وخضوع ورغبة ورهبة من الله آمنا مطمئنا لا ينغص عيشه ولا يكدّر صفوه إلا ضالٌ خارج عن حدود الأدب مع الله، أو مارقٌ خارج عن تعاليم الإسلام ومعاديًا لله ورسوله «أولم نُمكّن لهُمْ حَرَما آمنا» الآية.
هؤلاء الحجاج الذين سهل الله لهم سبل الوصول إلى الأماكن المقدسة ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق ، وليقضوا أياما معدودات في المشعر الحرام، محرمين، ملبّين، داعين، راجين ومؤملين في عفو الله وغفرانه، ثم يواجهون من ينغّص عيشهم، ويكدر صفوهم من المعارضين لأوامر الله ورسوله، والغافلين عن تعظيم زوار بيت الله وعدم احترام مشاعره المقدسة « ومن يعظّم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب» الآية، هؤلاء المخططون لترويع أمن الحجيج، و استفزاز مشاعرهم، بعد أن كفل الله لحجاج بيته الحماية والوقاية من كل سوء حين قال سبحانه «ومن يرد فيه بإلحاد بظلمٍ نذقه من عذاب اليم» الآية، فبمجرد النية (فقط) قبل الفعل بالإساءة لقاصد بيت الله من: إنسانٍ أو حيوانٍ أو نبات، فسوف يذيقه الله من عذاب أليم، وقد عجّل الله سبحانه وتعالى العقوبة الشديدة لمن أراد أن يصطاد حيوانًا أو يقطع شجرةً بالوعيد الشديد حين قال سبحانه « ومن عاد فينتقم الله منه والله عزيز ذو انتقام» الآية، فما بالك بانتهاك حرمة الإنسان وإيذاء مشاعره أو إلحاق الضرر به أو إيقاع الأذى النفسي أو البدني عليه، أو تخويفه وترويعه، أو زعزعة أمنه واستقراره. إنّ من أراد أهل الحرم بسوء من تخويف وإرهاب وزعزعة أمن فإن مصيره للهلاك وهذا لا يقتصر على الأفراد أو الأفعال الفردية فقط بل قد يطال الدول التي تحاول الإساءة لحجاج بيت الله الحرام بأن يزلزل الله أركانها، ويقوض بنيانها، وينزل العقوبة الشديدة بحكامها، وكل من يشاركهم أو يساعدهم في إلحاق الضرر أو الأذى بحجاج بيت الله الآمنين المسالمين الراغبين في أداء مناسكهم براحة وطمأنينة وفي أمن وأمان لا يشغل بالهم سوى ذكر الله ورسوله، تأنس أرواحهم بقدومهم إلى مكة، وترحب بهم جبالها، ووهادها، وسهولها، وأوديتها وشعابها، مضافا لذلك كله حسن استقبال أهل مكة المحبين المرحبين بحجاج بيت الله الحرام، وضيوفه الكرام، متفانين في خدمتهم، ساهرين على راحتهم، ملبّين جميع رغباتهم، طامعين في كرم الله وإحسانه، ويقف وراء كل ذلك حكومة رشيدة تبذل قصارى جهدها في خدمة ضيوف الرحمن، ورجال مخلصون يعملون ليل نهار، يخططون، ويشرفون، ويبذلون قصارى جهدهم في تسهيل وتيسير أمور الحجيج. وبعد كل ما تقدم يأتي من يعكر صفو الحجيج ويتوعدهم ويهددهم بالمظاهرات والمسيرات ورفع الشعارات وغيرها من وسائل الإزعاج والعبث في المشاعر المقدسة، رافضا لأوامر الله ورسوله « ومن يعظّم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب» وقد قال صلى الله عليه وسلم « من حجّ ولم يرفث أو يفسق رجع كيوم ولدته أمه» وكما قال الله سبحانه: «فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج» الآية. نرجو من الله أن يكون الحج مبرورا سهلا ميسّرا آمنا، ومن أراد خلاف ذلك فإن للبيت ربا يحميه، وسوف يقف الله بعزته وجلاله وقهره وسطوته ووعيده الشديد لكل من تسوّل له نفسه إيذاء المسلمين بالقول أو العمل، أو إثارة الفتن أو المحن، أو يعكر صفو أمن ضيوفه وقاصديه، أو يقلق راحتهم، بالانتقام منه في الدنيا قبل الآخرة، وأن يجعل تدميره في تدبيره، وأن يأخذه أخذ عزيز مقتدر، وصدق الله بقوله: « فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم».
المدينة 26/11/1430هـ