حديث في الحج وآدابه (1)

الحمد لله الذي أكرمنا بالاسلام، وبعث إلينا خير الأنام سيدنا محمدا -صلى الله عليه وسلم- وجعله القدوة والأسوة لنا في كل أعمالنا وأحوالنا، وعندما تمر بنا هذه الأيام العطرة العظيمة فإن علينا أن نتذكر كيف يجب أن نكون في الحج، وخاصة في سلوكنا، وكيف نتعامل مع حجاج بيت الله الحرام، وكيف نوجههم وندلهم على السلوك الصحيح، والعبادة الصحيحة الخالصة، وكيف نوجههم التوجيه السليم الذي يرضي عنا الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم-.

لقد كانت حجة الوداع درسا عظيما في العبادة والأدب والخلق العظيم للحجاج والعمار إلى يوم القيامة، ومن هنا فإننا نقول: إن من ينوي الحج لابد أن يتعلم هذه الدروس، وأن يدرك المقاصد الأساسية السامية لهذا الركن العظيم الذي قال الله – تبارك وتعالى فيه «فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تعملوا من شيء يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقونِ يا أولي الألباب».

وفي هذه الأيام على وجه الخصوص ونحن نرى وفود الحجاج تأتي من كل فج عميق لأداء هذا الركن العظيم : فإنه لجدير بنا أن نتذكر فضل الله سبحانه وتعالى علينا، وهو الذي جعل هذا الركن يؤدى في كل عام منذ أمر النبي أن أذن الله سبحانه وتعالى لأبي الأنبياء سيدنا ابراهيم عليه وعلى نبينا افضل الصلاة وأزكى السلام، ثم أمره فقال « وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ثُمَّ لِيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيق).

ويتجدد مع كل عام الحنين الفياض عند كل مسلم قَرُبَ أو بَعُدَ من الاماكن المقدسة لأداء مناسك الحج، فيأتى مئات الآلاف من كل فج عميق ملبين داعي الله متجردين من الدنيا ورغباتها مؤملين بما عند الله من الثواب والجزاء العظيم، الذي يفيض فيه كرم الله يوم عرفه فيتجلى على عباده فى ذلك الموقف المشهود، فيمنّ على ذلك المشهد العظيم بالمغفرة والرحمة، فيرجع الحجاج الذين تأسوا بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحجوا كما حج - صلى الله عليه وسلم - وشهدوا المواقف التي شهدها - صلى الله عليه وسلم - يرجعون من الحج بفضل الله كما ولدتهم أمهاتهم، وقد محيت عنهم الذنوب وحازوا رضوان الله وعفوه.

وإن من فضل الله علينا وعلى الناس أن الفقهاء « -رحمهم الله تعالى- قد بينوا للناس مناسك الحج، وفصلوا به تفصيلا واسعاً مراعين فى ذلك هدى النبى صلى الله عليه وسلم فى الحج، وقد عبرت أجوبة النبي في حجة الوداع عن أمر مهم جدا، فإنه ما سئل عن شيء قدم أو أخر يوم النحر إلا قال : صلى الله عليه وسلم - افعل ولا حرج» تيسيرا على المسلمين، وقد أصبحنا اليوم أحوج ما نكون إلى هذا الفهم النبوي الكريم في التأسي وتتبع تفاصيل حجة الوداع التى حجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع الصحابة عليهم رضوان الله، وقد اشتملت على خطبة عظيمة قالها - صلى الله عليه وسلم – وأعلن فيها المبادئ الأساسية التي تنظم حياة المسلمين وعلاقاتهم، وفيها الأسس القويمة لبناء مجتمع متماسك قوي. فما أروع أن نحج كما حج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما أجمل الاقتداء به في جميع شؤون حياتنا، لأنه القدوة، ولأنه الأسوة ولأنه المعلم والمهذِّب والهادي إلى صراط الله المستقيم.

والحمد لله الذي أكرمنا بنعمة الإسلام وبعث إلينا خير الأنام وجعله - صلى الله عليه وسلم - الأسوة الحسنة في كل أقواله وأحواله وأفعاله وفي كل شأن من شؤونه.. في توحيده وإيمانه، وفي صلاته وصيامه، وفي حجه واعتماره، وفي قنوته وقيامه، وفي جوده وسخائه، وفي جهاده وصبره وفي بيته، وبين أهله وأصحابه، وفي حلمه وتواضعه وعفوه، وفي دعوته وتبليغه، وفي سائر شؤونه «لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة»، فما أحوجنا إلى أن نتأسى به، ونسير على خطاه - صلى الله عليه وسلم.

المدينة 19/11/1430هـ