النساء في الحرم (1)

للذهاب إلى مكة وزيارة الحرم المكي الشريف بنية العمرة أو الحج وقع خاص في نفس المؤمن، فما أن يقبل المرء على الحرم وترمق عينه الكعبة منتصبة أمامه حتى تفيض نفسه بالرهبة واستشعار عظمة الله أمامه، فيغفل عما حوله ويتغشاه الخشوع والإجلال لرب البيت، وينطلق متلهفا إلى صحن المسجد مستقبلا القبلة متشوقاً للدخول في الطواف مستشعراً لذة روحية في القرب من الله ومناجاته بما في صدره من أمل في نيل المغفرة والرحمة.

في مثل هذه المشاعر يتحد النساء والرجال، حيث لافرق في الإيمان بين ذكر وأنثى، ولافي التعرض لغواية الشيطان والوقوع في الآثام والمعاصي، أو التعرض للبلاء وصنوفه المختلفة في هذه الدنيا من مرض وفقر وفقد أحبة ومصائب وكربات، وكلها أثقال تجتمع في نفوس البشر (إناثهم وذكورهم) تجثم على صدورهم لايخفف عنهم حملها سوى إيمانهم بالله وطمعهم في رحمته ولطفه بهم. لهذا تكون زيارة الحرم لكل المؤمنين إناثا وذكورا، غسلا وطهرا وتخففا مما تشعر به النفوس من الأذى والكرب.

خلال الأسبوع الماضي زرت الحرم الشريف، فتولدت في نفسي انطباعات مختلفة، سواء حول الزحام وأثر فتح باب العمرة واسعاً، أو كثرة المتخذين من الحرم وما يحيط به مأوى لهم، مزاحمين من جاء يرجو العبادة، أو غير ذلك من ملاحظات عامة، لكني هنا لن أتحدث عن شيء من تلك الملاحظات العامة، فهناك من كفاني ذكرها وأفاض في الحديث عنها من الكتاب. سأحصر حديثي هنا في الملاحظات المتعلقة بوضع النساء في الحرم، ليس لأني، كما قد يتبادر إلى ذهن البعض، إمرأة وعليّ أن أحصر فكري في شؤون النساء وحدهن، وانما لأن كوني إمرأة مكنني من أن أعيش ساعة ساعة ماتلقاه النساء في الحرم على يد بعض العاملين والعاملات في شؤون التنظيم، فضلا عن طبيعة التنظيم نفسه، الذي يبدو فيه التقليل من حق النساء في التمتع بروحانية الحرم كما هو حال الرجال.

عند إقامة كل فريضة، يقضي التنظيم المطبق في الحرم بتجميع النساء وحصرهن في أقصى الحرم، في مساحة نائية عن الكعبة، وقبل أن يحين موعد الأذان بما يقارب الساعة يبدأ الموظفون المكلفون بفرض ذلك النظام بعمليات تجميع النساء وإجلائهن من صحن المسجد والأماكن الأخرى المفتوحة والقريبة وأخذهن إلى تلك المناطق.

وبصرف النظر عن مدى كفاءة هذا النظام، الذي يجلي النساء وقت الصلاة، عن الصحن والأماكن التي تمكنهن من مشاهدة الكعبة فلا يترك لهن نصيبا من الحرم يصلين فيه إلا ذلك القطاع القصي، بصرف النظر عن هذا، فإن العاملين على تطبيقه (خاصة الموظفات) يتبعون أسلوبا خاليا من اللطف، حيث ترتفع أصوات الأمر بالاسراع بمغادرة المكان، أما إن ظهر شيء من التلكؤ والتباطؤ في تنفيذ الأوامر الصادرة فإن الأيدي ماتلبث أن تمتد لتعجيلهن على المغادرة.
ويوم غد نكمل الحديث إن شاء الله

عكاظ