لم يقل أحد قط أن تقبيل الحجر الأسود «شرك» سوى نجيب اليماني!!

 

الطواف يشتمل على شروط وواجبات، لا يصح بدونها، وعلى سنن يصح بدونها، والأتيان بها كمال له، ويذكرها الفقهاء في كتبهم، فهي من احكام الفروع بامتياز، وهي تثبت بأدلة الشرع كافة، ومنها خبر الآحاد، الذي يوجب في هذه الحالة العمل باتفاق، لا يجهل هذا سوى من لم يعرف العلم الشرعي أصلا، ومن سنن الطواف استلام الحجر وتقبيله ووضع الجبهة عليه، كما ذكر ذلك الامام النووي في المجموع شرحه لكتاب المهذب.
وقال ابو اسحاق الشيرازي في المهذب: ويبتدئ الطواف من الحجر الأسود، والمستحب أن يستقبل الحجر الأسود لما روى ابن عمر رضى الله عنه: (ان النبي -صلى الله عليه وسلم- استقبله ووضع شفتيه عليه) وقال الامام الشافعي في الأم في كتاب الحج: (وأحب أن يفتتح الطائف الطواف بالاستلام، وأحب أن يقبل الركن الأسود، وان استلمه بيده قبل يده، وأحب أن يستلم الركن اليماني بيده ويقبلها ولا يقبله، لأني لا أعلم أن أحدًا روى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- انه قبل إلا الحجر الأسود، وان قبله (أي الركن اليماني) فلا بأس به، ثم قال: وروى ان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل الركن الأسود، فكذلك أحب ويجوز استلامه بلا تقبيل، لأنه استلمه واستلامه دون تقبيله، أخبرنا سعيد عن ابن جريج ان ابي جعفر قال: رأيت ابن عباس جاء يوم التروية مسبدًا رأسه، فقبل الركن ثم سجد عليه، ثم قبله ثم سجد عليه ثم قبله ثم سجد عليه، ثلاث مرات، اخبرنا سعيد عن حنظلة ابن ابي سفيان عن طاووس: أنه كان لا يستلم الركن إلا أن يراه خاليًا، قال: وكان إذا استلمه قبله ثلاث مرات وسجد عليه على أثر كل تقبيله، قال الشافعي: وأنا أحب إذا أمكنني ما صنع ابن عباس من السجود على الركن، لأنه تقبيل وزيادة سجود لله تعالى، وإذا استلمه لم يدع تقبيله، وان ترك ذلك تارك فلا فدية فيه، وقال: أخبرنا سعيد عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: هل رأيت أحدًا من اصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- اذا استلموا قبلوا أيديهم قال: نعم رأيت جابر بن عبدالله وابن عمر وأبا سعيد الخدري وأبا هريرة إذا استلموا قبلوا أيديهم، وأما الأحاديث الواردة في تقبيل النبي -صلى الله عليه وسلم- الحجر الأسود فكثيرة ومنها أشهرها حديث عمر بن الخطاب رضى الله عنه، والذي فيه أنه قبل الحجر الأسود ثم قال: والله اني أعلم انك حجر، ولولا أني رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقبلك ما قبلتك، والذي في بعض رواياته (والله إني لأقبلك وإني لأعلم أنك حجر، وأنك لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلك ما قبلتك) والحديث رواه البخاري ومسلم في صحيحهما، ومالك في الموطأ، وأبوداود في سننه، والإمام أحمد في مسنده، وهو حديث صحيح قال ابن عبدالبر في الاستذكار نقلاً عن أبي بكر البزار: (إن هذا الحديث رواه عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أربعة عشر رجلاً، وقد ذكرنا بعض تلك الطرق في التمهيد)، ثم قال: ولا يختلف العلماء أن تقبيل الحجر الأسود في الطواف من سنن الحج لمن قدر عليه، ورواية مسلم عن سويد بن غفلة قال: رأيت عمر قبل الحجر والتزمه وقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بك حفياً، وروى عن جابر بن عبدالله أن النبي صلى الله عليه وسلم -استلم الحجر فقبله، وروى مثل هذا أيضاً عن عبدالله بن عمر وعبدالله بن العباس رضي الله عنهما، وتقبيل الحجر الأسود سنة في الطواف في المذاهب الأربعة باتفاق، ولا خلاف على ذلك، والقول بانفراد سيدنا عمر بن الخطاب برواية أن الرسول صلى الله عليه وسلم قبل الحجر الأسود زعم جاهل لا يدري ما يقول، وقول أهل المصطلح: إذا انفرد مخبر بما شاركه بالإحساس فيه خلق كثير، مما تتوافر الدواعي على نقله كما نقل الأخ نجيب اليماني في مقاله (تقبيل الحجر الأسود لا أصل له في الشرع المنشور في الرسالة يوم الجمعة 14/9/1430هـ عن ابن الهمام، لا ينطبق على هذا الحديث أصلاً، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم حج وقال: خذوا عني مناسككم، وقد نقل أصحابه هذا المناسك إلى ما بعدهم ثم نقله الجيل عن الجيل حتى يوم الناس هذا، ولم يقل أحد قط أن تقبيل الحجر الأسود شرك أو لا أصل له في الشرع سوى الأخ نجيب اليماني، وجل الصحابة رضوان الله عليهم منقول عنهم أنه يقبلون الحجر الأسود وكذا التابعون ثم المسلمون كافة، فكيف يتسنى لأحد بعد ذلك أن يقول: أن سيدنا عمر بن الخطاب قد انفرد برواية التقبيل، وتفرده هذا رد لروايته، وهو قد انفرد أيضاً برواية الحديث المشهور (إنما الأعمال بالنيات) ولم يرد أحد الحديثين إلا الأخ نجيب -عفا الله عنه- ويقيناً لم يقل أحد ممن ظن الأخ نجيب أن مجرد ذكرهم يساند مقولته برد الحديث، فلا ابن حجر ولا ابن الهمام ولا ابن النجار ولا الآمدي ولا الغزالي أو البيضاوي أو ابن الحاجب أو ابن تيمية عرف عنهم أنهم ردوا حديث سيدنا عمر بن الخطاب هذا بمثل ما فعل نجيب، وأتحداه أن ينقل عن واحد منهم ذلك بعبارة صريحة من كتبهم، وتوهم الأخ نجيب أن مجرد ذكر اسماء الكتب وأسماء مؤلفيهم والإشارة إلى مواضع منها لا علاقة لها بما يستشهد بها عليه مجدٍ في تأييد قولهما وهو سوء فهم للقضايا العلمية، ومن تلك الأوهام التي سيطرت على ذهن أخي نجيب أن قول أهل الأصول أن خبر الآحاد لا يؤخذ به في مسائل الاعتقاد يؤيد قوله بأن تقبيل الحجر الأسود من الشرك هو توهمه أيضاً أن سنة التقبيل من قضايا الاعتقاد، وهي من مسائل الفروع باتفاق، ولهذا لن يجدها في كتب الاصول (الاعتقاد) بل في الكتب الفقهية، وأتحداه أن يجد عالماً من علماء أصول الاعتقاد ذكرها في كتابه، ومجرد وهمه أنها من مسائل الاعتقاد لا ينقلها من علم الفروع (الفقه) الى علم العقائد، وان رغب هو في ذلك، ولعل أخي نجيب لم يدرك بعد الفرق بين الفروع والاصول، وحشد الآيات والاحاديث الناهية عن الشرك لا يجعل السنة المشروعة شركاً، والقول: بأن (تقبيل الحجر الاسود والتمسح به والاعتقاد انه يكشف الضر او يجلب النفع لا يخرج هذا من عمومات الشركات وحبائله) كما هي الفاظ الاخ نجيب يماني لا تجعل من سنة التقبيل شركاً، حتى وان نسب ذلك لمن يقل بهذا أبداً، ذلك ان تقبيل الحجر الاسواد في الطواف سنة باتفاق، ولا يقول أحد ممن ذكرهم أن تقبيل الحجر الاسود في الطواف منضو تحت عموم الأدلة الناهية عن الشرك ونسبة هذا القول الى كل من البيضاوي وابن السبكي والآمدي والشوكاني وابن الاثير والبغدادي والنووي ظلم لهم، وهو حتماً افتراء عليهم، واتحدى الأخ نجيب أن يذكر لواحد منهم عبارة واحدة صريحة تجعل تقبيل الحجر الاسود يدخل تحت عموم الآيات والأحاديث الناهية عن الشرك، ولن يجد أحداً من أهل الشرع قديماً وحديثاً قال ان الحجر الاسود يكشف الضر أو يجلب النفع، فهذا فقط في أوهام الأخ نجيب، ولعل كل مسلم قبل الحجر في طوافه لم يطرأ على باله مثل هذا الأمر إنما هو بفعل سنة استحب الشارع له فعلها، وليس لأحد اذا طرأ له راي مجرد عن دليل أن يحكم على ما هو مشروع بأنه حرام، وعلى ما هو سنة بأنه شرك، وما اعظم الفرية ان يقول مسلم أن تقبيل الحجر الاسود في الطواف ومسه باليد ثم تقبيلها قبل المس او بعده ليس له أصل في الشرع وأنه شرك مثل عبادة الاشجار والاحجار وتعظيمها والاعتقاد بأنها تضر أو تنفع، لأنه وللأسف حكم على المسلمين منذ عهد رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وحتى اليوم بأنهم مشركون، لانهم يقبلون الحجر الاسود ويتسلمونه كلما طافوا بالبيت العتيق. وهو ما لا يجب السكوت عليه، ورده على صاحبه مهما كان قدره ومهما علت مكانته، ومثلي نذر قلمه للرد على كل من ينتهج اسلوب التفكير أو التشريك أو التبديع للمسلمين ظلماً وعدواناً، والحق عندي يعلو على صداقتي للناس، فالساكت عن الحق شيطان أخرس، وفي مجالات الرأي لا تثريب على أحد، أما الحكم بكفر وشرك فلا، لأن هذا من قبيح الالغاء للمخالف، فليس بعد هذا الغاء وإقصاء، وأما ان تقبيل الحجر الاسود شرط للطواف أو واجب فيه فهو مما لم يقل به أحد على الاطلاق، وفي الحالة التي يخش فيها من التقبيل ضرر محتمل بانتقال مرض للمسلم، كما هي الحال اليوم مع انتشار انفلونزا(H1 N1) أو الخنازير فيباح للمسلم ترك هذه السنة وحتماً اذا ترك ذلك لم يأثم، فالقاعدة الشرعية أن لا ضرر ولا ضرار، وأن الضرر يزال، وما دعاني لكتابة هذه إلا كثرة من ينسبون المسلمين الى الشركة والوثنية لأنهم يؤدون فريضة الحج والعمرة، نصرة للحق، الذي أرجو الله دائما أن يهدينا اليه ويرزقنا اتباعه، وأن يبعدنا عن الباطل ويرزقنا أن نقوى على اجتنابه يكبح جماح هوى النفس، إنه سميع مجيب.
Alshareef_a2005@yahoo.com

المصدر : ملحق الرسالة بجريدة المدينة - الجمعة , 16 أكتوبر 2009م