عالم الآثار الذي رحل

فقد الوطن عالما جليلا أمضى عمره في دراسة آثار بلاده، خاصة منها الإسلامية وما تعلق بها من الفنون المختلفة، ألف وكتب البحوث في مجالها، حتى أصبح مرجعا فيها، عرفه الداخل والخارج بها، ذاك هو فقيدنا الاستاذ الدكتور ناصر بن علي الحارثي، الذي كل من عرفه أثنى عليه خلقا وسلوكا فقد كان نموذجا للعالم المبدع، الذي يصرف كل جهده للارتقاء. بحقله العلمي، اشتهر بتواضعه لأصدقائه ومحبيه وتلاميذه، ووفاته خسارة للوطن ليست يسيرة، فهو يفقد بوفاته عالما ساهم في حفظ تاريخ الوطن عبر دراساته الأثرية العديدة التي شملت موسوعات عن آثار مكة الاسلامية وآثار الطائف الاسلامية ومعجما اثريا عن المدينة التي نشأ فيها وتلقى علومه الأولية في مدارسها "الطائف" وكان دوما عاكفا على البحث يؤلف وينشر ابحاثه، ولا شك ان جامعته ام القرى تحزن لفقده،

لأنها بفقده خسرت احد ابرز علمائها الباحثين، عرفت الفقيد اول مرة حينما كان طالبا بمدرسة ثقيف، ثم لقيته بالجامعة حينما ابت اليها بعد زمن طويل لإتمام دراستي العليا، ثم جمعتني به في الرياض مجالس على هامش احدى دورات الجنادرية، ولأننا نهتم بالاثار كان لنا آنذاك حديث طويل، ثم تلاحقت اللقاءات وإن كانت على فترات متباعدة

وقد فجعت عندما سمعت نبأ وفاته، ولم التفت الى ما قيل عن انتحاره، فقد نشأ يرحمه الله يتيما وعانى في بدء حياته معاناة شديدة ولكنه كان عصاميا استطاع ان يشق طريقه الى مكانة يؤسسها بجهده العلمي الوافر، حتى اصبح هذا العلم البارز، وظني ان مثله لا يطرأ الانتحار على ذهنه الا ان فقد لحظة وقوع ذلك منه قواه المدركة، فكان غير مسؤول عن تصرفاته، وتمنيت لو ان الصحف تريثت ولم تخض في قضية الانتحار هذه، حتى تظهر نتائج التحقيق والتشريح، وألا تضخم الأمر فتجعله دينه البالغ سبعمائة ألف ريال حسب تصريح نجله سبعة ملايين،

وآلمني حديث الاخ صالح سعد اللحيدان ذي الألقاب المتعددة، التي كدنا أن نحصرها لكثرتها، ومنها لا تعرف لها مقرا ولا شخوصا، ولا ندري ما هي مقدار الثقة بها، ثم ما علاقة الأخ صالح بعلم النفس، حتى يمكن الأخذ برأيه في تحليل ظاهرة الانتحار، التي عزاها الى فقدان الإيمان وحب المال والجاه والشهرة، وسوء التربية والحساسية الشديدة تجاه الاشياء، مما نعلم يقينا بعد كل هذا عن اخلاق فقيدنا - رحمه الله - كما نعلم يقينا ان الاخ لم يبن اقواله على علم بحال الفقيد، وقد أمرنا الله ان نذكر محاسن موتانا، لا أن نفرح بما أصابهم وأصاب أهليهم بفقدهم ، فنضيف الى حزنهم الاساءة الى مشاعرهم، رحم الله الفقيد وأحسن إليه في آخرته كما احسن لوطنه، وألهمنا وأهله الصبر على فقده إنه سميع مجيب.

البلاد 21/10/1430هـ