العقل والنقل يردان فرية الشرك

وجود الكتب التي أعلن أسماءها نجيب في المكتبات لا يعني أن ما ادّعاه من أن تقبيل الحجر الأسود من الشرك، وأنه يدخل تحت عموم الأدلة الشرعية الناهية عن الشرك مذكور فيها.

مَن قرأ ما كتبه الأخ الكريم نجيب عصام يماني في جريدة عكاظ يوم الثلاثاء 10/10/1430هـ يدرك بيقين أن بينه وبين العلم الشرعي برزخًا لا يلتقيان، حتى وإن حاول أن يوهم العامة بذلك، وفهمه لما يقرأ يعتريه السوء من كل جانب، فهو -عفا الله عنه- يلجأ إلى محرّك البحث “قوقل” يستفتيه، ليؤيد بما يجده عليه فكرة خاطئة أنشأها في ذهنه هواه، فيجد قواعد تحديث هو لا يعلم من أمرها شيئًا البتة، كالانفراد بالرواية فيما حقّه أن يشتهر، فيظن أنها تنطبق على الحديث الذي رواه سيدنا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقبّل الحجر الأسود، فيرده، وهو صحيح مقبول، لم يردّه أحد قط، لا من علماء الحديث، ولا الأصول، وإن ادّعى أخي نجيب ذلك، واتهمهم به، وهم منه براء، ولعلّ مَن ذكرهم قد رجع فيه إلى شبكة الإنترنت فحشد أسماءهم، وأسماء كتبهم من الموسوعة الشاملة عليها، وأجزم بأنه لم يكلّف نفسه أن يعود إلى تلك الكتب، ويذكر منها ما يؤيّد زعمه الباطل بأن حديث سيدنا عمر مردود لتفرّده بروايته، فذاك يستحيل أن يقول به واحد منهم، فالحديث صحيح تلقته الأمة بالقبول، ولم يردّه أحد من أهل العلم قط، وأتحدّى الأخ نجيب أن يأتي بعبارة واحدة تردّه من كتب هؤلاء، والحديث في الصحيحين وغيرهما من كتب السنّة، ولكن نجيب يردد أن خبر الآحاد لا تثبت به العقائد، لأنه ظنّ واهمًَا أن حكم تقبيل الحجر الأسود من أحكام العقائد، وهو حكم فقهي فرعي، لا يُذكر إلاَّ في كتب المناسك من كتب الفروع، ولم يذكره أحد قط في كتب الأصول (العقائد)، وأتحدّى (نجيب) أن يذكر نصًّا من كتب العقائد يجعل هذه المسألة حكمًا عقديًّا، ولكن نجيب -عفا الله عنه- لا يفرّق بين أصل وفرع، وخبر الآحاد منه المقبول الذي يُعمل به إذا صح عند الجمهور، حتّى في العقائد لدى البعض، ولعلّ أكثر الأحكام الفرعية مبنية على أخبار الآحاد، وهذا ما يؤكده مَن يشغب بادّعاء النقل عنه زورًا، وهو الحافظ بن حجر العسقلاني -رحمه الله- حيث يقول من أخبار الآحاد المقبول الذي يجب العمل به عند الجمهور، وهو الذي قبل حديث سيدنا عمر بن الخطاب عن تقبيل الحجر الأسود، وشرحه في الفتح، ولم يعترض عليه، بل صححه، ويستحيل أن يُنسب إليه أنه ردّه كما يدّعي نجيب، وأكثر استحالة أن يُنسب إليه أنه يقول إن تقبيل الحجر الأسود شرك، كما يريد أن يوهم الناس بذلك نجيب..

والحافظ بن حجر هو مَن أيّد أن التقبيل سنّة، ووجود الكتب التي أعلن أسماءها نجيب في المكتبات لا يعني أن ما ادّعاه من أن تقبيل الحجر الأسود من الشرك، وأنه يدخل تحت عموم الأدلة الشرعية الناهية عن الشرك مذكور فيها، بل هو افتراء على مؤلّفي هذه الكتب، وعلى سائر المسلمين عبر القرون؛ ممّن طافوا بالبيت العتيق، وقبّلوا الحجر الأسود في طوافهم، اتّباعًا لسيدي رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- ولم يقل أحد بمثل قول نجيب، لا من الخاصة، ولا العامة على مر العصور. وقد طالبناه بأن ينقل هذا صريحًًا عن أحد يُعتبر قوله من أهل العلم قديمًا وحديثًا فعجز وسيظل عجزه دائمًا، لأننا نتحدّث عن يقين، ويتحدث عن أوهام، فنحن نعلم يقينًا أن أحدًا لم يقل هذا سوى مثل الدكتورة نوال السعداوي، التي زعمت أن الحج وثنية، ثم الأخ نجيب الذي زعم أن تقبيل الحجر الأسود في الطواف شرك، وكلاهما لا رأي له في العلم الشرعي يُعتمد، ويؤسفني أن ينحدر نجيب إلى هذا المستوى، وأخبره أنني ونفر من إخواني المكيين قد عزمنا أن نتابع ما يكتب، فإذا زلّ قلمه بمثل عظيم هذه الفرية التي جعلت المستحب في شرع الله شركًا، رددنا عليه، فلا خير في صداقة تضيّع الحق، وشر مجاملة أن نجامل أحدًا يتّهم الأمة بالشرك، وإني لأشك أن نجيب يدرك معنى للعقل أو النقل، وهو يرد الأدلة النقلية الصحيحة بمجرد وهم أراد به تأييد هواه، وهو لا يدرك معنى لصريح العقل الذي ادّعى أنه يرد استحباب تقبيل الحجر الأسود، فإن كان مدركًا له فيذكر دلالة هذا المصطلح، وكيف ردّ به هذا الحكم، وليذكر لنا من قال مثل قوله نصًّا لا ادّعاءً، وما عدا ما جاء في مقاله الذي عنونه (العقل والنقل على خلاف تقبيل الحجر الأسود) بدءًا من هذا العنوان كلام لا يستحق الرد، عفا الله عن أخي نجيب، وردّه إلى الحق ردًّا جميلاً، وأسأل الله -عز وجل- أن يرينا الحق حقًّا ويرزقنا اتّباعه، ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه. إنه سميع مجيب.

المدينة 16/10/1430هـ