إلى الزملاء في أمانة العاصمة المقدسة

أخاطب منسوبي الأمانة كزملاء لأنني عملت في أمانة العاصمة المقدسة ما بين عامي 1403 و 1405 هـ، شغلت فيها عدة وظائف، الأولى محاسب، والثانية رئيس قسم المحاسبة، وكُلفت خلال فترة عملي القصيرة بأعمال مدير الشئون المالية بشكل مؤقت، وفي النصف الأول من عام 1405 قدمت على إعارة إلى دار الثقافة للطباعة، قَبِلها معالي الأمين حينها الأستاذ فؤاد توفيق على مضض، لرغبته وتمسكه –جزاه الله خيرًا- باستمراري في خدمة الأمانة. أي مضى على آخر عهدي بها ربع قرن بالتمام والكمال كما يقولون، ولا يزال على رأس العمل بالأمانة مجموعة ممن شرفت بزمالتهم، ولا أزال احتفظ بعلاقات صداقة ومعرفة بالعديد من قيادات وموظفي الأمانة، وهي علاقات تتوشح بالكثير من المحبة والاحترام المتبادل، وهو ما دفعني إلى توجيه هذه الرسالة للجميع، سواء من أعرفهم أو من لم يسعفني الحظ بمعرفتهم، لأقول لهم:

يا أيها الزملاء..
أعرف أن الكثير منكم؛ بل كلكم إن شاء الله تحبون مكة المكرمة، وتعرفون قدرها، وأنكم ترغبون بأن تكون درة المدائن، وأن يعيش أهلها بأفضل ما يكون العيش فيها.. ولتحقيق هذا مستلزمات، عملية وفكرية وإدارية ومادية، ويأتي على رأس هذه المستلزمات وفي مقدمتها، أنتم أيها الزملاء، وما تقومون به، وما تبذلونه من أوقاتكم، وجهودكم، الفكرية، والإدارية، والتنفيذية، وإخلاصكم وغيرتكم..

يا أيها الزملاء..
لعلكم - أو على الأقل معظمكم- يعرف الارتباط الوثيق بين الأمانة وحياة المواطنين، وانعكاس أعمالها على معيشتهم، بشكل مباشر، وغير مباشر، فتخطيط المدينة، وفتح الشوارع ورصفها وسفلتتها وإنارتها وصيانتها، والنظافة ونقل المخلفات، ورخص المحلات ومراقبتها، ورخص البناء، ومنح الأراضي، والسجل العقاري.. وغيرها كثير.. ولذلك لا يكاد يسلم شخص من مراجعة للأمانة أو بلدياتها الفرعية.. والملاحظ أن غالبية المعاملات مع الأمانة أو بلدياتها الفرعية تحتاج إلى إجراءات مطولة، وتمتد فترة إنجازها لعدة أشهر وبعضها لسنوات.. وبصراحة لم يحدث حتى الآن أي اختراق حقيقي وفعّال لهذه الإجراءات، بالتبسيط والتسهيل، اللهم إلّا في رخص المحلات..

إن تبسيط الإجراءات وتسهيل المعاملات له آثار إيجابية عديدة، وهي من النوع المتعدي – إن صح وصفها كذلك -، فكلما تم تبسيط للإجراءات، وتقليص المتطلبات، كلما قلصنا الأوقات المهدرة من أوقات المواطنين، وأوقات المواطنين هي أوقات عمل وإنتاج وخدمات، فمنهم الموظف، ومنهم التاجر، وغالبهم يراجع الأمانة وبلدياتها في أوقات الدوام، وبالتالي فإن الأوقات المهدرة في المراجعات سوف تؤدي إلى إبطاء عجلة العمل والانتاج والخدمات في بقية الأجهزة والمؤسسات، أي باصطلاح الاقتصاديين تدني الإنتاجية، وبالتبعية يعني ارتفاع التكاليف، وفي حالتنا هذه الأثر - وأعني تدني الإنتاجية وارتفاع التكلفة - يمتد ليشمل مدينة مكة المكرمة كلها..
وبالتالي فإن أي تطوير فيما تقدمه الأمانة والبلديات من خدمات سوف ينعكس على أهل مكة كلهم، اقتصاديًّا واجتماعيًّا ونفسيًّا..

يا أيها الزملاء..
لدي -كما هو لدى الآخرين- العديد من التجارب التي تؤكد أن معاملات المواطنين في الأمانة والبلديات تستغرق أوقاتًا طويلة جدًّا، برغم دخول المكاتب الهندسية على الخط باعتبارها جهات محترفة ولديها خبرة ومعرفة كافية لإنجاز المتطلبات بسرعة..

ومثال ذلك، معاملة بسيطة، وهي الحصول على اشتراطات البناء لزيادة أدوار على مبنى له رخصة بناء صادرة من الأمانة في عام 1418هـ ، لا تزال دائرة و لم تُنجز منذ أربعة أشهر، وسبقتها ثلاثة أشهر لعمل كروكي للموقع.. وستحتاج لأشهر لاستخراج رخصة البناء.

ومعاملة أخرى للحصول على اشتراطات البناء، ضمن متطلباتها إعادة تسجيل صك أرض سبق تسجيله، وهي ضمن مخطط معتمد، ولكن لسبب أو لآخر له علاقة بالأمانة وليس بالمواطن يُطلب إعادة التسجيل، وتظل المعاملة تدور ما بين المكتب الهندسي والأمانة لعدة أشهر قبل أن تبدأ رحلة التسجيل، والتي قد تمتد لأشهر أخرى.. وبالمناسبة هنا أود أن أسجل ملاحظة هامة أرى ضرورة إنهائها، لأن استمراراها يعني بقاء الأوضاع كما هي، وهي أن هناك سياسة متبعة في تسجيل بعض معاملات الأمانة، وهي عدم تسجيل المعاملة فور بدئها، وإنما تظل تدور لأشهر دون تسجيل، تتعرض خلالها للضياع، إلى أن تصل المعاملة إلى مرحلة معينة يتم تسجيلها ، وفي بعض المعاملات التي يطول أمدها يتم تغيير رقمها وتاريخها، وهو ما حصل معي في أكثر من معاملة، وعرضته على أحد قياديي الأمانة، ونبهت إلى أن أول خطوة على طريق الإصلاح والتطوير هو رصد الواقع بدقة، وأن عدم تسجيل المعاملات، وتغيير أرقامها وتواريخها يؤدي إلى تضليل صاحب القرار..

فيا أيها الزملاء..
إن أردتم تحقيق اختراق حقيقي لمسألة طول أمد المعاملات فلابد من رصد جميع المعاملات منذ بدايتها وحتى نهايتها وبدقة، لكي تتمكنوا من وضع أيديكم على نقاط الضعف، وما يُسمى عنق الزجاجة في كل نوع من أنواع المعاملات، ومواجهة كل ذلك بأساليب وتقنيات إدارية متطورة..

فتعاونوا على ذلك، وساهموا في أن تكون مكة المكرمة درة المدن وأولها، وبذلك تفوزون بخيري الدنيا والآخرة..

المدينة 26/8/1430هـ