العمدة آخر من يعلم
أعتقد لو أن حبيبنا محمد صادق دياب عرف وضع العمد الحالي لتخلى عن لقب العمدة بطيب خاطر.
فاللقب العمدة لقب عزيز وغال على أبناء الحجاز، وأطفال جيلي حين كنا نجلس نعبث بأوراق (الحظ والنصيب) بحثا عن ماذا نتمنى أن نصبح حينما نغدوا كبارا،كانت كل المهن والألقاب تكتب في الأوراق التي سوف تتناثر بين أيادينا لاختيار مستقبلنا، كلها تكتب إلا لقب (العمدة) فهو لقب بعيد المنال إما لأنه يورث أو لأن العمدة هو أكبر شخصية في الحارة ولا تتعداه أو تجاوره شخصية أخرى.. لا تاجر ولا ضابط ولا مدرس ولا بناء ولا سمكري ولا المأمور (زاته) يمكن أن يقارع منزلة العمدة في مخيلتنا.
فشخصية العمدة شخصية سوبرمانية قادرة على فعل ما لا يقدر على فعله أحد من شخصيات الحارة، وكبرنا وصورة العمدة بقيت في تجاويف الذاكرة كشخصية مهابة لا يعجزها أي فعل، وكنا نظن أن (تنك) الذهب والفضة تملأ زوايا بيته، فهو يصرف من سعة، والكل يلجأ إليه طلبا للعون والمساعدة.
هذه الشخصية تعرت فجأة بسبب الأوضاع الحالية التي تعيشها، ولو أعيد نثر أوراق الحظ والنصيب بين أطفال جيلي الآن فلن يرضى أي منهم تمني أن يصبح عمدة.. وكذلك صديقنا محمد صادق ذياب لو علم بهذا فسوف يخلع اللقب من على سيرته ويستبدله بما يليق بهذا الزمن من المهن التي تبقي صاحبها في مكانه اللائق.
ومكانة العمدة غير لائقة بتاتا بمن يشغل هذه الوظيفة التي تفتقر لكل المستلزمات التي من شأنها إبقاء دور العمدة قائما.
ومنذ أن بدأت كتابة هذا العمود اليومي أذكر أني كتبت عن العمد بمحصلة تصل إلى تسعة مقالات كلها ندب وشكوى مما يجد العمدة، ومنذ عام 1416 للهجرة وهؤلاء العمد ينتظرون اللائحة التنفيذية الخاصة بهم، أي منذ ما يقارب الأربعة عشر عاما وهذه اللائحة لم تر النور بالرغم من أن شركة الكهرباء أنارت الزوايا المظلمة التي كان يقتعدها العمدة سابقا تحت مصباح يغذى بالكيروسين.
ولا تجد عمدة في الوقت الراهن إلا وتشفق على حاله، فدخله لا يكفي لتسيير حياته الخاصة فكيف إذا أضيف على دخله الإنفاق على مكتب العمودية وتجهيزه بالتجهيزات اللازمة والمكلفة معا.. وتبدأ مشكلة العمدة باستئجار المكتب ولا تنتهي بالمشاوير الطويلة والقصيرة لمتابعة أعمال العمودية بواسطة سيارته الخاصة والتي لا تحمل أي صبغة أو شعار حكومي مما يعرض العمدة لمشاكل كثيرة كما أن دخولهم لا تكف للقهوة والتمر الذي يوضع ليليا في المركاز.
وكما طالبت من الحبيب أبو غنوة أن يتنازل عن العمودية أجدها فرصة لمطالبة الآخرين بالبحث عن وظيفة أخرى ريثما يتحسن وضع العمدة.
فربما لائحة نظامكم لا زالت تكتب بالحبر الشيني.. ثم تجفف كي تعلق في مكان بارز قبل أن تنفذ، وأربعة عشر عاما لا تكفي لكل هذا!!.
المصدر / جريدة عكاظ 29/7/1430هـ