دروس نستقيها من مكانة مكة المكرمة (2)
اشرت في المقال السابق الى الكتاب الذي صدر في اواخر التسعينات الميلادية (عامل مكة.. خمسة محفزات للنجاح العملي والشخصي) لمؤلفه توم رودل في سياق الحديث عن مكانة مكة المكرمة شرفها الله في قلوب الامم والشعوب قاطبة، ولا غرو في ذلك فهي مهوى الافئدة وهي اول بيت وضع للناس، وهي مركز الارض وقطب الرحى، فضلاً عن انها مولد رسول الهدى ومنشأه ومبتدأ بعثته ورسالته ومبعث النور الذي شع على البشرية كلها، فهي البلد الامين التي اختارها المولى عز وجل لتكون موطن القداسة وموئل الاجلال، وانزل من الجنة ايات بينات لتبقى بقاء الدهر الحجر الاسود ومقام ابراهيم وزمزم، ليس عجباً ان يختار توم رودل مكة ليقينه انها مدينة متعددة المعاني ومصدراً للوحي والالهام ويذكر: التقط اي معجم في مكتبتك وستجد لكل منها معنى جديداً لمكة منها: بلوغ اعلى مراتب السعادة.. تحقيق اهداف الحياة السامية.. المكان الرائع الذي تحب ان تكون فيه.. مركز لنشاط خلاق يتبعه اناس يجمعهم هدف مشترك.. مكان تهفو اليه قلوب الناس لزيارته ودخوله، ثم يستطرد فيقول هذه هي المعاني اللغوية لكلمة (مكة) فاذا انسقنا وراء التشبيه المجازي للحياة، واعتبرنا الحياة رحلة، يكون لمكة معنى آخر. ثم يتحدث كيف ان المسلمين يقومون برحلة عظيمة يتوجهون فيها الى رحلة الحج كل عام، والذي قد لا يحدث الا مرة واحدة في العمر ذلك لان مكة اكثر مكان على وجه الارض يحقق لهم الاشباع الروحي والنفسي والطمأنينة الداخلية، هذا نابع من اهمية مكة كنقطة تركيز في الحياة بصفتها قبلة ووجهة للعالمين ويستشهد بمقولة لاحد الفلاسفة (لكي نعيش حياتنا باجمل صورها وابهى معانيها علينا ان نبدأ بفهم العالم من حولنا، ثم نعمل على تغييره الى الافضل) ثم يستشهد بسينكا (اذا لم تكن تعرف الى اي ميناء تتجه فكل الرياح مواتية) انتهى. قال تعالى: (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ ... الآية) انها البوصلة الطبيعية التي اهداها المولى لنا لنستمد منها القوة والعزة والمنعة، ومصدر الالهام يستهدف التأمل والتطوير والتجديد، من هذا المنطلق اراد توم رودل ان يرسم خارطة للطريق نحو اتجاه جديد في الحياة يمكن الوصول اليه بسهولة لمن يرغب في ذلك، وهو اتجاه في السلوك ينبثق من داخل الانسان، انه يحكي تجربة شخصية تستهدف كيفية الاخذ بمقومات النجاح في الحياة من خلال تنمية الذات وتطوير المهارات الشخصية فكان الكتاب الذي ذكرنا اسمه وحجبنا الترجمة حتى لا نخلط في اذهان البعض مع كتاب محمد اسد العالم النمساوي المسلم الذي الف كتابه الشهير (الطريق الى مكة).
استطاع توم رودل ان يشرح ويقدم لقرائه عن مكة وهو يصفها بانها مدينة السلام والطمأنينة والثراء الروحي ومتعة العيش ببساطة والاعراض عن الماديات وحب الناس والنجاح، ثم يقارن بين الناس في مكة والناس في كاليفورنيا ويصف الناس في مكة بانهم يهتمون بالاخرين ومتواضعون وطيبون ويعطون من اجل متعة العطاء، يعتدون بانفسهم وينعمون براحة ضمير. بينما الناس في كاليفورنيا يهتمون بانفسهم، يتفاخرون بنجاحهم، يعطون من اجل التباهي والمظاهر، يعتزون بمظهرهم وقلقون بشأن المكانة الاجتماعية. ونستكمل فيما بعد ابرز صور المقارنات التي اوردها توم رودل واوجه الشبه والاختلاف مع فكر محمد اسد في كتابه الطريق الى مكة.
المدينة 16/6/1430هـ