دروس نستقيها من مكانة مكة
لم يكن هو المشهد الأول او الأخير الذي رأيت فيه العين تدمع وتذرف عندما تذكر مكة ولكن الموقف الذي شهدته قبل أسابيع قليلة في اثنينية الشيخ عبدالمقصود خوجة كان مؤثرا بالفعل عندما أجهش ضيف الاثنينية بالبكاء وهو يقص على الحضور حبه وعشقه العميقين لمكة المكرمة مما دفعه للإمعان والاهتمام البالغ بتاريخها والتوثيق لكل من أرّخ لها أو كتب عنها وأصدر العديد من الكتب من خلال دار الفرقان وأصبحت مرجعا للمثقفين والباحثين وطلاب العلم. لقد قص علينا ضيف الاثنينية الاستاذ الجليل الدكتور الحبيب الهيلة الذي عرّف نفسه أنه تونسي زيتوني الانتماء نسبة الى جامعة الزيتونة وسرني ذلك الحب الاصيل والحب العميق لهذه المؤسسة العلمية وتمنيت ان يكون كل واحد منا يشعر بنفس شعور الانتماء للمؤسسة التي استقى منها تعليمه التي اصبح فيما بعد أحد فرسانها الذين يشار اليهم بالبنان. المشهد الآخر عايشته عندما طلب مني الاستاذ عبدالعزيز الرفاعي استقبال صديقه الدكتور عبدالهادي التازي الذي قدم من المغرب لزيارة الحرم المكي والتقيت به بعد صلاة الظهر عند بوابة الحرم واصطحبته الى المنزل بحي العوالي بمكة مرورا بالطريق رقم واحد المحاذي لجبل ثور، ومن إطلالة المنزل كنت اشرح له أن الجبل عن بعد يوحي بشكل رأس الأسد، فظل يتأمل ويتمتم ولم يتمكن من منع دموعه التي انهارت على خده. وقبل الغروب بساعة مررنا بعرفات ومزدلفة ومنى فكان يستشعر عظم هذه الأماكن المقدسة وكان يقول هنا يستنشق الفرد منا عبق التاريخ الاسلامي الاصيل، من هنا جاء الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى ثرى هذا التراب وقف، ما أجمل وطنكم هنيئا لكم باختيار الله لكم لتكونوا جيران بيته، لقد حملني بكلماته وفيض مشاعره مسؤولية اكبر نحو المكان العظيم الذي نعيش فيه، وقد ذكرني هذا الامر بصديق مغربي اسمه محمد بوشنتوف كان رئيسا للمجلس البلدي في الدار البيضاء وكان يتردد على مكة مرة كل عام ولكن يجعل اقامته في جدة وكان يقول ( انا لا اقوى على الجلوس في مكة فلهذه البلاد هيبة لا أحتملها رغم الجاذبية العجيبة نحوها انها احدى مصادر الالهام وفي زيارتي للرباط قبل عامين زرت فضيلة العلامة الدكتور عباس الجراري في اعقاب عملية جراحية دقيقة أجراها آنذاك، فاعتذر مني لعدم قدرته على اصطحابي الى مكتبته في الدور السفلي من داره وبجوار ناديه المعروف بالنادي الجراري وأوصى زوجته بأن تطلعني على الهدية التي يعتز بها وهي لوحة لمكة المكرمة أهديت اليه وقطعة من كسوة الكعبة الشريفة وطلب احضارها له، ثم مكث ينظر اليها امامي وقلبه يجهش بالبكاء قائلا: لقد حالت ظروفي الصحية دون الذهاب ضمن الوفد الذي رافق الملك عبدالله السادس اثناء المؤتمر الإسلامي الذي عقد بمكة المكرمة قبل شهرين، ويطلب صالح الدعاء وأهداني أحد عشر كتابا من مؤلفاته وكتب الاهداء على واحد منهم فقط وكان بعنوان (الإصلاح المنشود) ويعد من منشورات النادي الجراري، كما أوصاني بقراءة كتاب (توم رودل) الذي صدر في عام 1997 بعنوان (عامل مكة. خمسة محفزات للنجاح) والبعض ترجم الكتاب باسم (الطريق إلى مكة.. خمسة متطلبات للنجاح العملي والشخصي) والواقع ان هذه الترجمة ربما كانت خاطئة لاسيما الجزء الاول منه حيث ان هذه الترجمة تحدث خلطا مع الكتاب الآخر الشهير الذي كتبه محمد بعنوان (الطريق إلى مكة) وترجم بعدة لغات وللحديث بقية نستلهم فيها العبر عن مكانة مكة المكرمة وكيف انها المحرك الاساس لكثير من الإلهام والإبداع وسببا في تدفق العطاء