بارقة أمل.. و لمعة تفاؤل..

يا لهذا الأمل الذي لا أزال أتمسك بأهدابه، برغم غلبة التشاؤم والإحباط بين الناس والمحيطين.. لأنني لا أزال على قناعتي بأنه ليس أمام مَن ينشد التغيير والإصلاح في مجتمعه إلاّ التمسك بالأمل.. لأنه ببساطة من أسباب السعي والعمل، ومَن يفقد الأمل يفقد الرغبة، ثم بمرور الوقت يفقد القدرة على العمل..

وأتمنى أن أكون جنديًّا -أو حتّى قائدًا لا بأس!!- في كتائب مكافحة الإحباط الذي ضرب بأطنابه في المجتمع، حتى أصبح ثقافة أسماها خالد الفيصل الأمير ثقافة الإحباط، والتي لن تنجح -و أعني مكافحة الإحباط وكتائبها- ما لم ير الناس إنجازات يلمسون آثارها الإيجابية في حياتهم اليومية، في أعمالهم، ومدارسهم، وجامعاتهم، ومستشفياتهم، وشوارعهم، وبيئتهم، ومعاملاتهم، والأهم شعورهم بسيادة النظام، وتكافؤ الفرص.

ما دعاني للكتابة عن الأمل والتفاؤل هو الشعور الذي غمرني يوم الثلاثاء الماضي، حيث حظيت فيه بدعوتين كريمتين إحداهما في نهاره والثانية في ليله..

فأمّا الأولى فكانت بدعوة كريمة من سعادة مدير عام تعليم البنين في مكة المكرمة، الأستاذ بكر بصفر لزيارة مدرسة المدائن الثانوية بمكة المكرمة، وهي واحدة من خمسين مدرسة -في المملكة- ضمن مشروع الملك عبد الله بن عبد العزيز لتطوير التعليم العام (تطوير). وأمّا الثانية فكانت بدعوة كريمة من صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل رئيس مجلس مكة الثقافي لحضور الحفل الأول لتوزيع جائزة مكة للتميز لعام 1429هـ.

ففي زيارتي لثانوية المدائن، التي سعدت فيها بصحبة سعادة الدكتور صالح الغامدي أحد قياديي إدارة تعليم البنين بمكة المكرمة، اطلعت على ما يبث الأمل بمستقبل أفضل للتعليم العام في بلادي، وهو ما سيحقق مستقبلاً أفضل للمجتمع والوطن -بإذن الله-.

فمشروع (تطوير) يهدف إلى تأهيل أفراد المجتمع لامتلاك مفاتيح (التنمية) الشاملة، و القدرة على (المنافسة العالمية)، وبناء مجتمع متعلم و(منتج) ومستخدم (للمعرفة). وذلك من خلال تطوير المناهج، وإعادة تأهيل المعلمين والمعلمات، وتحسين البيئة التعليمية لتكون (محفزة) على التعلم، ودمج التقنية في التعليم، وتعزيز القدرات الذاتية و المهارية والإبداعية للطلبة والطالبات.

لاحظوا الكلمات التي وضعتها بين قوسين، التنمية، المنافسة العالمية، إنتاج المعرفة، البيئة المحفزة على التعلم، وأضيف بأن موجهات التطوير حسب ما ورد في الإطار المرجعي للمشروع، ثلاثة 1- الاقتصاد، والمعرفة كمحرك رئيس له. 2- التقنية كعنصر ومطلب أساسي لإنتاج المعرفة. 3- الإنسان كعنصر بناء في المجتمع.

وأثناء شرح قائد المدرسة -وهذا المسمّى الجديد لمدير المدرسة- والجولة التي قمنا بها، لمست وشاهدت حجم العناية والسخاء في تجهيز المدرسة بأحدث تقنيات الاتصال والمعلومات، وتوفير شبكات الاتصال السلكية واللاسلكية بسرعات عالية جدًا (50جيجابيت)، وتزويد جميع الطلاب بحاسبات محمولة، و إتاحة الفرصة لهم للبحث عن أي معلومات متعلقة بدروسهم، على شبكة الإنترنت، والتحضير قبل حضور الدروس، وتجهيز الفصول بالشاشات والسبورات الإلكترونية والكاميرات، ونقاط الاتصال اللاسلكي.

وبفضل هذه التقنيات وبتوقيع اتفاقيات توأمة بين مدارس المشروع، سوف يتمكن الطلاب من مشاركة زملائهم في المدارس الأخرى في أي مدينة من مدن المملكة المعلومات والدروس، والتحاور معهم مباشرة ومع المدرسين، وحتى إقامة حصص مشتركة، في حال غياب أحد المدرسين، حيث يقوم مدرس إحدى المواد بتقديم الدرس لطلاب المدرستين في آن واحد من خلال تقنية الاتصال المباشر صوت وصورة.

ومن اللافت أن طريقة التدريس أصبحت تعتمد على مشاركة وتفاعل الطالب، أكثر من تلقيه، إذ يُطلب منهم البحث عن المعلومات عن مواضيع الدروس على شبكة الإنترنت، والتحضير قبل الدرس، ولاحظت أثناء حضوري لجزء من أحد الدروس جاهزية الطلاب بمعلومات متنوعة، وتختلف من طالب لآخر نتيجة لحصولهم على المعلومات من مصادر متعددة..

الحديث عن هذه المدارس لا تتسع له هذه الزاوية، وما أوردته هو في سياق بث التفاؤل والأمل في النفوس، ومن يريد الاطّلاع على المزيد يمكنه زيارة موقع المشروع www.tatweer.edu.sa .

وأمّا حضوري لحفل توزيع جائزة مكة للتميّز بفروعها الثمانية، فقد عزز في نفسي الأمل والتفاؤل بغد أفضل أيضًًا، حتى أنني بادرت إلى الحديث إلى بعض من حولي أحثهم على أن يكونوا ضمن الفائزين بالجائزة، في دوراتها المقبلة، ثم سريعًا حدّثت نفسي وتساءلت، ولماذا لا أكون أنا ضمن الفائزين بها في الدورات المقبلة؟!

ولقد تألّق الأمير خالد الفيصل في تلك الليلة، عندما ألقى كلمته المختصرة والمركزة، والتي بدت وكأنها قصيدة منثورة، وعلى الأخص خاتمتها التي قال فيها: «أقدرُ كل رأيٍ أو ملاحظةٍ بالتأييدِ أو الانتقاد .. فأن نعملَ ولا يرضى عنا البعضُ ليست مشكلة، المشكلة ألا نعملَ ويرضى عنا البعض. واعذرونا في أي قصور إننا بشر.. ولا كمال إلاَّ لرب الكونِ والبشر».
لا شك أن الحدث يأتي في سياق محاربة ثقافة الإحباط -كما جاء في كلمات مقدم الحفل-، لأن تكريم المتميزين حافز لهم للمزيد من التميز، ولغيرهم للسعي في دروبه، وهذا التحفيز والسعي هو العلاج العملي لحالات الإحباط التي يعيشها البعض..

إن التفاؤل بنشوء الجائزة، وبدء منحها، سوف يتعزز كلّما كانت معايير التميّز واضحة ودقيقة، وكانت لجان اختيار الفائزين دقيقة في اختياراتها.. إذ تساءل الكثيرون عن التميز في مشروع قصر خزام، وهو لم يُنجز حتى على الورق، حيث أكد أمين محافظة جدة في كلمته على أن المخطط الرئيسي للمشروع لم يُنجز. وإن كانت اللجنة ترى أن التميز للفكرة فالفكرة مسبوقة في مكة المكرمة.

المدينة 7/6/1430هـ