النقل العام في منطقة مكة المكرمة .. التقدم إلى الوراء ..!
أذكر كما يتذكر الكثيرون بدايات تأسيس شركة النقل الجماعي (1399هـ) ، كأول شركة للنقل العام المنظم داخل المدن ، تضمن الدولة للمساهمين فيها 15% أرباحاً سنوية ، وكيف تم تخصيص مواقف لحافلاتها على الطرقات ، وتجهيزها باللوحات والمظلات ، ونتذكر أيضاً البدائل التي تم توفيرها ، من حافلات كبيرة ، وأخرى بدورين ، وحافلات صغيرة ، وقاطرات (هذه الأخيرة لم تنجح في مكة بالذات بسبب طلوع الجبال وتعرج الطرقات).
ولكن بدلاً من تقدم التجربة إلى الأمام ، لمسنا بمرور الأيام والسنوات تقدماً إلى الوراء ، فتراجع أداء الشركة ، حتى قبل أن تنضج تجربتها ، وتنتظم رحلاتها داخل المدن ، وتوقف ضمان الدولة لأرباح المساهمين ، وانصرفت الشركة إلى النقل ما بين المدن ، ثم إلى النقل الدولي ، وهي الأنشطة الأكثر ربحية من النقل داخل المدن.
وأذكر أيضاً أن الهيئة العليا لتطوير مكة المكرمة –قبل أن تُصبح هيئة تطوير منطقة مكة ، ومن ثم هيئة تطوير مكة والمدينة والمشاعر- قد كلّفت أمانة العاصمة المقدسة بدراسة النقل العام في مكة المكرمة ، وتقديم تصوراتها نحو تطويره ، وكان ذلك في عام 1423هـ ..
وشركة النقل الجماعي تتحدث في موقعها على الشبكة العنكبوتية عن المعوقات التي تواجهها في مجال النقل داخل المدن ، وتذكر منها: «المنافسة غير المنظمة من وسائل النقل الأخرى ، وعدم توفر مواقع التشغيل المناسبة ، أو البنية التحتية المطلوبة لتقديم هذه الخدمة ، من مسارات مخصصة ، وأماكن محددة لوقوف الحافلات ، ومظلات انتظار الركاب».
وتنظيمات سيارات الأجرة لم تنجح في توفير خدمة منتظمة في هذا النوع من النقل العام ، وشركات الليموزين أفلست واختفت ، فتراجعت الخدمة . ويبدو أن من ضمن الأسباب ضعف البنية التحتية ، المتمثلة في تخصيص المواقف ، وتوافر شبكات الاتصال اللاسلكية..
إن فرص نجاح النقل العام في مكة المكرمة كبيرة ، بسبب انتظام وتزايد الزوار لهذه المدينة المقدسة ، على مدار العام.
للنقل العام مزايا تنموية هامة ، بصرف النظر عن الأرباح الاقتصادية ، فما نشهده من ازدحام الشوارع ، وبطء حركة الانتقال ، هو في الحقيقة هدر لأوقات وطاقات المجتمع ، وإضعاف لإنتاجيته ، ولذلك تدعم كثير من الدول شركات النقل العام ، لأن المكاسب غير المباشرة له تتجاوز قيمة الدعم بكثير من خلال تحسن إنتاجية المجتمع ككل. ولذلك فإنني أرى أن على الدولة أن تدعم مشروع النقل العام المنتظر في منطقة مكة المكرمة ، وأن تعتبر ذلك استثمارا تنموياً ، يدخل ضمن مسئولياتها المباشرة في التنمية وتحقيق الرفاه الاقتصادي والاجتماعي.
إن الخشية الحقيقية هي أن تذهب جدوى مشاريع تطوير تقاطعات الطرق ، واستكمال الطرق الدائرية ، لمواجهة الازدحام الذي تعاني منه مدن المنطقة ، وعلى رأسها مكة المكرمة وجدة ، وذلك خلال سنوات معدودة ، إن لم نسارع إلى تطوير النقل العام ، لأن تزايد أعداد السيارات سيستمر باطراد ، بسبب التزايد الطبيعي لأعداد سكان المدن ، وغير الطبيعي ، الناتج عن استمرار هجرة الريف ، لمدن المنطقة ، وبسبب –وهذا المهم في نظري- عدم توفر وسائل النقل العام المريح والآمن.
في بلدان عديدة يمكنك العيش بدون امتلاك سيارة ، بسبب توافر بدائل عديدة للنقل العام ، ومن أشهر هذه المدن مدينة لندن البريطانية ، فجميع الوسائل متوفرة بالقرب منك أينما كنت ، فإن لم تكن محطة قطار تحت الأرض قريبة منك ، تكون محطة الحافلات الأقرب ، وإن لم تكن هذه وتلك فسيارات الأجرة عند أطراف أصابعك ، وما عليك إلاّ تحريكها لطلب (التاكسي) عبر الهاتف. وكل هذا بأسعار زهيدة خصوصاً الحافلات والقطارات التي تقدم أسعاراً مخفضة للمجموعات ، والعائلات ، وللركاب الدائمين ، وللتنقل داخل مناطق محددة وغير ذلك.
وفي ذات السياق ، مما يحز في النفس أن ينجح المسئولون عن النقل العام في مدينة ناشئة كمدينة دبي في أن يوفروا شبكة متطورة ، ومريحة ، وآمنة ، للنقل العام في سنوات معدودة ، فيما لم ينجح فيه المسئولون عن النقل العام في أي من مدننا الرئيسية ، فبالإضافة إلى سيارات الأجرة التي تقوم بتشغيلها عدة شركات ، وباحترافية عالية ، وباستخدام تقنيات الاتصالات ، والأقمار الصناعية في إدارة حركة سيارات الأجرة ، وتحديد أماكنها ، وأماكن الطلب عليها ، وإلى الحافلات المنتظمة ، ففي الثانية 9 بعد الدقيقة 9 بعد الساعة 9 من يوم 9/9/2009م (أي بعد أقل من ثلاثة أشهر) سيتم إطلاق شبكة قطارات الميترو في مدينة دبي ، لتتكامل الوسائل الثلاث الأكثر أهمية وفاعلية في النقل العام.
النقل العام سلوك وثقافة ، ونحن في مجتمعاتنا لم نتعود على استخدام النقل العام ، بسبب ضعفه ، ورداءة وسائله ، وسنحتاج إلى فترة طويلة نسبياً لتوافر القناعة باستخدامه ، ولذلك نحن في أمس الحاجة لسرعة إنجاز مشروع تطوير النقل العام ، قبل أن نختنق وتختنق مدننا وتستعصي علينا الحلول.
ليس تراجع أداء النقل العام داخل المدن تقدماً إلى الوراء ، بل إن مجرد التوقف عن تطويره هو حقيقة التقدم إلى الوراء ..
مشروعية اقتناء الكلاب
لفت انتباهي الأستاذ ماجد الوافي ، -و هو أحد القراء الكرام الذين أعتز بمتابعتهم لما أكتب- ، لما نشرته صحيفة عكاظ قبل أسبوعين حول حلاقة شعر الكلاب أعزكم الله ، وذكّرني بما جاء في السنة المطهرة ، حول اقتصار مشروعية اقتناء الكلاب على ثلاثة أغراض هي الحراسة ورعي الأغنام والصيد ، وتأثيم اقتنائها لغير ذلك ، وطلب مني التذكير بذلك فالذكرى تنفع المؤمنين ، فقد جاء في صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال: «من اتخذ كلبا إلا كلب ماشية ، أو صيد أو زرع نقص من أجره كل يوم قيراط» وفي رواية قيراطان وكلاهما في الصحيح.
المدينة 1/6/1430هـ