الندوة و حراء بين الهمس و الجهر !!

على أثر أزمة صحيفة البلاد الأخيرة ، أُقحمت جريدة الندوة و أدرجت وكأنها ضمن مخارج الأزمة أو أحد حلولها ، ودار الحديث حول دمج الصحيفتين تارة ، و حول تغيير إسم الندوة باعتباره مشؤوماً -حسب تعبير أحدهم- تارة أخرى ..

فأما من جهة اسم الندوة فقد كان هناك همساً حوله منذ مدة طويلة ، لما لدار الندوة في الجاهلية من جوانب سلبية ، و كنت ممن همس له أحد موظفي الندوة المتحمسين بهذا منذ فترة ، و كان ذلك في حياة الوالد يرحمه الله ، و لكنني للأسف و بتقصير مني لم انتهز الفرصة لأسأل الوالد عن وجهة نظره في هذه المسألة .. و هو ما أشعر بشيء من الندم عليه .

و لكنني قبل كتابة هذا المقال سألت عمي الشيخ محمود جمال و هو شقيق الوالد و ممن عملوا معه في الصحيفة إبان ملكيته لها و رئاسته لتحريرها ، سألته عن سبب اختيار الوالد يرحمه الله لاسم الندوة بدلاً من حراء للصحيفة المدموجة ، فقال لي أنه يعتقد أن السبب هو ما يكنه الوالد و العم أحمد من محبة و تقدير كبيرين لأستاذهما شيخ الصحافة الشيخ أحمد السباعي -يرحمهم الله جميعاً- ، و إيثاره بالحفاظ على مسمى الصحيفة التي أنشأها ، على الرغم من أحقية حراء بذلك لأنها الأسبق في الصدور من الندوة ..

و ما يجعل هذا التفسير هو الأقرب إلى الحقيقة و يعزز ه أن تنازل الشيخ أحمد السباعي عن امتياز جريدة الندوة للوالد لم يكن مقابل صدور المدموجة باسم الندوة ، و إنما كان بمقابل مادي ، حُدد بثلاثين ألف ريال في تلك الأيام ، و نُشر في حينه بالعدد 45 من نفس الصحيفة ..

و الآن و في هذه الأيام جهر البعض بانتقاد الاسم و بالغ البعض فاعتبر أنه هو السبب في تعثر الصحيفة .. و أن تغييره إيذان بقيام الصحيفة من كبوتها ..

و إن كان لي من رأي في هذه المسألة فإنني لا أرى أن الاسم هو السبب في التعثر ، لأن من يعرف تاريخ صحيفة الندوة و المراحل التي مرت بها ، و رؤساء التحرير الذين تعاقبوا عليها و أداءهم ،  يمكنه إدراك ذلك ، و التعرف على أسباب هذا التعثر و من المسؤول عنه .. ، و يعرف كذلك أنها كانت في يوم من الأيام في المقدمة ، و في طليعة الصحافة السعودية و هي تحمل نفس الاسم ..

و أما تغيير الاسم فمن حيث المبدأ لا أرى بأساً فيه ، و لكن بشرط أن يكون ذلك ضمن حزمة من التغييرات ، تشمل أجهزتها الإدارية و الفنية و التحريرية ، و بنيتها التقنية ، و ضمن رؤية جديدة تحتفظ لها بهويتها كصحيفة تصدر من مهبط الوحي ومن جوار الكعبة المشرفة ، و يكون كل ذلك في سياق و بهدف تجديد شخصيتها ، دون طمسها أو طمس تاريخها .. أو بالأحرى تاريخهما ، فلكلاهما (حراء و الندوة) وبشهادة المؤرخين صفحات ناصعة و مشرقة في تاريخ صحافتنا ، و هو ما يوجب المحافظة عليهما ..

و لتحقيق ذلك في مسألة تغيير الاسم ففي تصوري إن اسم (حراء) هو الاسم الأولى بالتغيير إليه ، إن كان هناك تغيير ، و ذلك ليس انحيازاً لاختيار الوالد يرحمه الله و إنما لسببين موضوعيين :

الأول : أن صحيفة الندوة هي كيان ناتج عن دمج حراء و الندوة ، و بالتالي فإن حراء نصف أصيل من هذا الكيان .. و صدروها باسم حراء يحقق الاتصال و التواصل ..

الثاني : أن في صدورها باسم حراء تحديد دقيق لهويتها كصحيفة تصدر من مكة المكرمة ، فحراء هو اسم الغار الذي نزل عليه أول الوحي ، و منه شع نور الاسلام ، وقد جاء في افتتاحية العدد الأول من صحيفة حراء الذي صدر بتاريخ 6/5/1376هـ : "و في هذا الغار ، و في لحظة مباركة ، جاء جبريل عليه السلام إلى محمد -صلاة الله عليه وسلامه- بأولى آيات الوحي ... فكان ذلك إيذانا بانتشار الإسلام ، ذلك النور الذي شعَّ من هذه القطعة من الأرض شعاعه الأول ، وظل يشع هنا وهناك من أرض المعمورة ، يُرسي فيها دعائم السلام ، ويبث روح العدل ، ويُقيم الوشائج بين الناس على أسس من الفضيلة والمحبة . و قد وقع اختيارنا على اسم (حراء) لجريدتنا الفتية تيمنا بهذا الاسم الذي بدأ منه إشعاع ذلك النور الإلهي ..".

بقي لي كلمة أود أن أضم بها صوتي إلى الأستاذ هشام علي حافظ،في كلمته التي جاءت في سياق اللقاء الصحفي الذي أجراه معه الأستاذ فهد الشريف و نُشر بملحق الاربعاء،حول مصادرة ملكية الصحف الفردية و تحويلها إلى مؤسسات يملكها عدد من الأشخاص،و ذلك بحجة أن الحكومة هي التي أعطت الامتياز،و أنها تسترد ما أعطت،في حين أن الامتياز مثل منحة الأرض لا يمكن استردادها دون تعويض قيمتها ، و إذا لم تفعل ذلك بسبب أنها الحكومة وأن السلطة في يدها،فعلى الأقل  بالنسبة لجريدة المدينة أن تدفع لوالدي و عمي الجهد والمال والشباب التي صرفوها طوال 25 عاماً أي قيمة 25 طابقاً بنوها فوق الأرض التي منحت لهم ، و أقول : إن الوالد قد اعتذر عن المشاركة في المؤسسة منذ البداية لقناعته مبكراً بعدم جدوى ذلك ، و تبعه الآخرون لاحقاً ، فخرج يرحمه الله من المولد بلا حمص كما يقولون ، و استُبيح جهده و عرقه و ماله من قبل المؤسسة الجديدة .. دون أدنى تعويض .. و في هذا ما يمكن أن يراه البعض سبباً في تعثر العديد من مؤسساتنا الصحفية .. و الله المستعان ..

نُشر يوم : الاثنين الموافق 20/12/1422هـ في صحيفة : المدينة المنورة   رقم العدد : 14194