وأيضاً الغرف التجارية والتنمية الاقتصادية.. وجريدة الندوة

تناولت في مقال الأسبوع الماضي دور الأمانات والبلديات في التنمية الاقتصادية، وأشرت إلى انشغالها وانصرافها إلى تنمية مواردها من خلال زيادة الرسوم، والغرامات، واستثمار ما تحت يدها من مواقع، أكثر من العناية بالتنمية الاقتصادية الشاملة للمدن..

وذكّرني أحد القراء الكرام بأن ما ينطبق على الأمانات والبلديات، ينطبق على غالبية الغرف التجارية والصناعية، حيث تتفنن بعض الغرف في اصطياد ومتابعة التجار، وعقد التحالفات مع بعض الجهات الخدمية لتنمية مواردها من خلال الزام التجار بالاشتراك في الغرفة، والتصديق على المستندات، وانشغالها بهذه الأمور على حساب العناية برسم الخطط وإعداد البرامج، لإحداث تنمية اقتصادية (تجارية – صناعية - خدمية) حقيقية في المدن التي تعمل فيها..

والملاحظ أن دور الغرف التجارية في رعاية مصالح التجار والصناع، وتمثيلهم أمام الجهات الرسمية، وتنمية التجارة المحلية، وتنمية العلاقات التجارية مع دول العالم الخارجي، غائب عن أذهان معظم أعضاء مجالس إدارات الغرف التجارية..

ولذلك انشغلت مجالس إدارات الغرف وأماناتها العامة بالأدوار الثانوية للغرفة التجارية، والمتمثلة في التسجيل وتحصيل الرسوم، وتصديق الوثائق، وتركت الأدوار الأكثر أهمية والتي هي في نظري التنمية الاقتصادية للمدن التي تمثلها، وجذب الاستثمارات إليها، وذلك من خلال تمكين المنتسبين إلى قطاعات التجارة والصناعة بشكل عام، والمنتسبين إليها بشكل خاص، من التواصل مع العالم، والاطلاع والتفاعل مع ما يجري من تطورات معرفية، وتقنية، وإدارية في عالم المال والأعمال، والسعى لدى الجهات الرسمية لتذليل العقبات التي تواجه مؤسسات الأعمال، وتعيق تقدمها، وعلى الأخص المؤسسات الصغيرة منها.

لقد ذكرت مثلين في الأسبوع الماضي من مكة المكرمة وجدة، لإفلاس وخسارة العديد من المؤسسات والمشاريع التجارية، بسبب إغلاق الطرق المؤدية إليها، لتنفيذ مشاريع البنية التحتية، التي تنفذها الأمانات أو تُشرف عليها، وأشرت إلى عدم التفات الأمانات إلى ذلك. واليوم أضيف بأنني لم أسمع أن أياً من الغرفتين في مكة المكرمة أو جدة قد تبنى وجهة نظر أصحاب المؤسسات والمشاريع التي تضررت، أو نقل صوتهم إلى المسئولين في الأمانات أو الجهات الرسمية الأخرى، لرفع الضرر عنهم..

وهنا وبمناسبة التشكيل الجديد لمجلس إدارة الغرفة التجارية الصناعية بمكة المكرمة، وتولي قيادات شابة جديدة، فإنني بعد أن أتوجه لهم جميعاً بالتهنئة، أدعوهم إلى تلمس الدور الحقيقي للغرفة التجارية، ولغرفة مكة المكرمة تحديداً، قبل بدء أعمالهم ووضع خططهم للسنوات الأربع القادمة، وأقترح عليهم إن جاز لي ذلك، أن يعكفوا خلال المائة يوم الأولى على تحديد دور الغرفة، والانفتاح على مجتمع الأعمال، والاستماع إلى الشيوخ والشباب، وإلى القيادات والخبرات السابقة، وإلى القيادات الشابة، ومن ثم وضع الخطط والبرامج، للنهوض بغرفة مكة، واعتلائها مكانها الصحيح، فمكة المكرمة مركز التجارة العالمي منذ ما قبل الإسلام، وكانت منطقة للتبادل التجاري ما بين الشرق والغرب، وما بين الشمال والجنوب (رحلتا الشتاء والصيف) لما حباها الله به من موقع جغرافي متميز.

وأتمنى عليهم بأن لا يصرحوا أو يعلنوا عن أية برامج قبل المائة يوم، وقبل تبين الطريق والوجهة والرؤية، بوضوح، فالخروج إلى الناس برؤية واضحة، وخطة مدروسة، وبعدد من البرامج التي تلامس تطلعات تجار مكة، وتكون قابلة للتحقيق، أفضل بكثير من الحديث عن خطط وبرامج مكررة وغير مدروسة، تدغدغ مشاعر التجار، ولا يمكن تحقيقها..

جريدة الندوة
اطلعت على تصريح صاحب المعالي الدكتور محمد عبده يماني، رئيس مجلس إدارة مؤسسة مكة المكرمة للطباعة والإعلام، حول عزم المؤسسة على تغيير اسم جريدة الندوة إلى جريدة مكة المكرمة، وأود أن أشارك برأيي فيما تعرضت له جريدة الندوة، خلال العقدين الماضيين، إلى الحلول التي ذكرت خلال الفترة الماضية، فأقول وبالله التوفيق إن مشكلة الجريدة هي مشكلة إدارية بالدرجة الأولى، ثم تحريرية بالدرجة الثانية، وكل المشكلات المالية والإجرائية هي تبع لهما، ولذلك فإن تغيير اسم الجريدة لن يُقدم شيئاً، وحتى ضخ الأموال لن يقدم شيئاً إن لم تحظ المؤسسة بإدارة كفؤة، فالإدارة هي الأساس، وهي الحل.. والتجارب القريبة لصحف أخرى تؤكد أن ضخ الأموال دون إدارة كفؤة أدى إلى هدرها وعودة الأمور إلى المربع رقم واحد..

بل إن تغيير الاسم الذي قد يكون المراد منه تغيير الصورة -وهو أمر معتبر في إدارة الأعمال- قد يُحدث خسارة، من خلال ما يمكن أن يُسمى بالفرصة الضائعة، فبناء اسم جديد كلياً، يعني التخلي عن اسم عريق مضى عليه أكثر من خمسين عاماً، ارتسم في وجدان المجتمع والقراء، والذهاب لبناء اسم جديد من الصفر.

في تصوري أن الخطوة الأهم إدارية، تتمثل في تشكيل مجلس إدارة قوي ومتجانس، وفي فريق إدارة تنفيذية متمكن، وجهاز تحرير محترف، وهو ما سيحفز أصحاب الأموال للمشاركة، وبالتالي توفير الأموال والامكانيات لجذب الكفاءات، وتوفير الآلات والتقنيات.

وبعدها إن وجد فريق الإدارة الجديد حاجة إلى تغيير الاسم فإنني اقترح اسم (حراء) فهو أحد اسمي الصحيفة قبل الدمج، وهو ما سيجعلها تحتفظ بتسلسل أعدادها ولا تحتاج إلى أن تبدأ من العدد رقم واحد.. والله من وراء القصد.

جريدة المدينة الاثنين, 4 مايو 2009