أهل مكة ذوو حظ عظيم

كتب الأستاذ مشعل السديري في زاويته بعكاظ تحت عنوان العيون المبصرة  ، وكان ذلك خلال شهر رمضان المبارك الماضي ، الذي اعتزلت فيه قراءة الصحف تماماً ، وتلقيت عدة اتصالات ممن لم يعجبهم ما ورد في المقال ، و على الأخص خاتمته ، و بعثوا لي بنسخة منه ، و طلبوا مني التعقيب .. وحيث أنني كنت متوقف عن الكتابة منذ عدة أشهر وعدتهم بذلك بعد رمضان ..

ولقد لاحظت أن الأستاذ مشعل قد رصف عبارات متوالية ليس بينها رابط -كعادته- ، ليصل في الأخير إلى توجيهه لأبناء مكة المكرمة بأن عليهم " أن يشكروا ربهم اليوم على ما يرغدون فيه من معطيات أقلها تلك الأنوار المبهرة التي تجهر العيون المبصرة ، أما العيون العمياء فالشمس و هي الشمس لن تمحو ظلامها عنها " .

بأسلوبه أقول له مداعباً و متسائلاً : ألا تعلم بأن أهل مكة يشكرون ربهم ليل نهار ، من قبل أن يسعدوا بإطلالة وجهك اليومية عبر زاويتك بصحيفة عكاظ ، بل حتى قبل أن تُخلق يا أستاذ مشعل ؟! 

فأهل مكة يعيشون ما هو أعظم من رغد العيش بكثير ، فهم يعيشون جوار الكريم عز وجل ، وفي رحاب بيته العتيق ..

فكيف لا يشكرونه و يحمدونه سبحانه ليل نهار و قد جعلهم من أهله و خاصته ، كما جاء عن النبي صلى الله عليه و سلم في وصيته لعتّاب بن أُسيْد رضي الله عنه عندما ولاّه على مكة : أتدري على من وليتك ؟ وليتك على أهل الله و خاصته ، أو كما قال عليه الصلاة والسلام ؟!

كيف لا يشكرون الله و قد أكرمهم الله بهذا الجوار العظيم ، و زادهم بمضاعفة حسناتهم بمائة ألف حسنة ، فالصلاة فيها بمائة ألف صلاة ، و الختمة فيها بمائة ألف ختمة  ، وكذا سائر العبادات و الحسنات ؟!

كيف لا يشكرون الله وقد أكرمهم ومنّ عليهم بنعمتي الإطعام من الجوع و الأمن من الخوف ؟!

كيف لا يشكرون الله وقد أنعم عليهم و اختصهم بجوار بيته ، و جعل الأفئدة تهوي إليهم من كل فج عميق ؟! 

أما ما أشار إليه الأستاذ مشعل من معطيات الحياة التي وصفها بالبسيطة والفقيرة و الشحيحة في أزمنة ماضية ، فأود أن أقول أن هذا يُعد من تقلبات الأحوال التي لم تسلم منها بقعة على وجه البسيطة ، و إذ مرت على مكة عصور ازدهار قد لا يصدقها الأستاذ مشعل ، فقد ذكر أحد المهتمين بتاريخ مكة المكرمة أن أول مصنع للورق على وجه الأرض كان في مكة و إن لم تخني الذاكرة كان ذلك في العام الأول للهجرة ، و وصف ابن جبير الذي زار مكة المكرمة في عام 579هـ/1183م ما وصل إليه البلد الحرام من نماء تجاري ، وأشار إلى أن الطريق إليها ملتقىً للصادر والوارد ممن بلغته الدعوة المباركة ، والثمرات تُجبى إليها من كل مكان ، فهي أكثر البلاد نعماً وفواكهاً ومنافعاً ومرافقاً ومتاجراً ، وحجم ما يُباع في أسواقها في يوم واحد من أيام الموسم ، ما لو فُرِّق على البلاد كلها لأقام لها الأسواق النافعة ، إلى أن يقول : "فما على الأرض سلعة من السلع ، و لا ذخيرة من الذخائر إلاّ وهي موجودة فيها مدة الموسم ، فهذه بركة لا خفاء بها ، وآية من آياتها التي خصها الله بها" . و أقول : هذا مصداق قوله تعالى : {أولم نُمكّن لهم حرماً آمنا يُجبَى إليه ثمراتُ كلِ شىءٍ رزقاً من لدُنَّا ولكنَّ أكثرهم لا يعلمون } سورة القصص - آية 57 .

اللهم لا تحرمنا هذا الجوار و ارزقنا الأدب فيه ..

الندوة / نُشر يوم : الاثنين الموافق: 16/10/1422هـ