لا أقسم بهذا البلد

لله جل شأنه وعظمت حكمته أن يقسم بما شاء من خلقه أو بذاته العلية ، وهو سبحانه عندما يختار شيئا ما ليقسم به فلسر من الأسرار يعلمه قد أودعه فيه أو لمكانة خصها به ذلك الشيء ، والحكيم العظيم عندما قال: «لا أقسم بهذا البلد وأنت حل بهذا البلد» فهو يقصد وبصورة مباشرة أم القرى مكة المكرمة حيث البيت العتيق وحيث المشاعر المقدسة ، كما أنه ربط هذا القسم بوجود خير خلقه عليه الصلاة والسلام فيه ، ولذلك كان على كل من سمع أو قرأ أو حفظ هذه الآيات أن يقف عندها متأملا مستشعرا عظمة هذا القسم لأنه من رب الكون خالق كل شيء وهو أعلم بما يستحقه هذا البلد من تكريم وتعظيم . وإذا كان الرب الجليل العظيم قد اختار من بين كل بلاد العالم بل من كل هذا الكون ليقسم بهذه البلدة الطيبة مكة المكرمة ، فهذا يعني أن لها شأنا وأي شأن ، وأنه لا بد وأن يشعر كل من عرفها المكانة التي خصها الله بها ، فهي حرام إلى قيام الساعة ، وهي ذات عظمة لا يضاهيها أية بقعة في الأرض إلا مدينة المصطفى عليه الصلاة والسلام ، وأنه من الأدب مع الله احترام ما عظمه سبحانه ( وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ) الحج، وفي هذا خطاب قوي بعيد المدى باقٍ إلى الأبد موجه لكل من سكن أو زار أو حج أو اعتمر هذا البلد بأن يستشعر هذه المكانة السامقة فيحرم ما حرمه الله ، وأن يكون خوفه من أن يظلم إنسانا أو أن يأكل مال أحد من إخوانه سكان هذه البلدة ظلما وبهتانا ، أو أن يفتري إثما صغيرا كان أم كبيرا ، أو أن يفكر مجرد تفكير لارتكاب أية جريمة فيها حتى ولو كان في أبعد نقطة في هذا العالم – كما قال العلماء – عن تفسير الآية الكريمة ( وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) الحج25 يقول عبد الله بن عمرو بن العاص : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالكعبة ويقول ما أطيبك وما أطيب ريحك ما أعظمك وما أعظم حرمتك والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن عند الله أعظم من حرمتك ماله ودمه « وهذا عن أي مؤمن في أية بقعة من الأرض ، ولكن أليس ممكنا أن يكون لسكان هذا البلد حرمة خاصة فقد دعا لهم أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام بالبركة ، ودعا الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام بالبركة وأضعافها ، وإذا كان لبيت المقدس بركة فيما حوله ألا يمكن أن يكون للحرمين الشريفين بركات لما حولها من البلاد ..؟ فهل يعرف خطورة المكان وقداسة المكين أهل مكة المكرمة ومن يعيش فيها ومن بيده مقاليد الأمور ولو كان عامل نظافة ، وهل تجد هذه الرسالة الربانية آذانا صاغية وقلوبا مفتوحة وأعينا مبصرة وإعادة النظر في كل ما يتعلق بهذا البلد من تكريم لأهلها وتوفير كافة الخدمات لهم من غير من ولا تكرم ، وأن يكون كل من فيها على قدر المكانة التي خصهم الله بها ، وعظم أجر كل من قدم أو ساهم في توفير الأمن والأمان ولقمة العيش الكريمة والرعاية الشاملة وأن كل ذلك مكتوب لهم في موازين أعمالهم إن أخلصوا النية لله..؟

المدينة 20/4/1430هـ