حال الندوة ..!

* أكرمني الصديق الأستاذ عبدالرحمن المغربي برسالة وجّهها لي مباشرة في عاموده الأسبوعي في العزيزة جريدة «الندوة» حيث (أثنى) بما يدل على معدنه الأصيل، وذكر بعضاً مما قمت به عندما كنت رئيساً لتحرير الندوة ومديراً عاماً لها. وهذا الثناء الصادر من الوجيه ليس (بمستغرب) إطلاقاً. فأنا أعرف وأدرك يقيناً معدنه. فهو من القلة القليلة المتبقية التي تعرف حقاً معنى الوفاء والصدق.

* وأمّا ما أورده من (حقائق) حول (أولويات) أحدثناها في الندوة أيام إشرافي عليها، ومنها الطباعة الملونة لأول مرة في تاريخها، والمطابع والأجهزة الحديثة، وتحويل الصحيفة من (يدوية) بحتة في إعدادها وإخراجها إلى (ميكنتها) بما يتناسب مع عصرية الإعلام والصحافة فذلك كله لم يتم بجهدي أنا لوحدي، بل (بتضافر) كافة الجهود من الزملاء في التحرير –آنذاك- وبالسواعد الأبية الشمَّاء والعقول المتفتحة والنزيهة والذوات المخلصة التي شكّلت فريق عمل متجانساً استطاع أن يحدث كل تلك (النقلات) غير المسبوقة في تاريخ «الندوة».

* ولكن وبقدر ما أسعدني مقال الزميل الأستاذ عبدالرحمن بقدر ما أثار (حزني) على حال الندوة، خاصة في أيامنا هذه. فكل مخلص ومحب لهذا الوطن، وكل صادق ومتطلع إلى مكانة رفيعة لصحيفة مكة المكرمة يأسي على ما يراه ويسمعه من تردٍ لأحوال الجريدة، وذلك كله بسبب عدم وجود الدعم المالي والسيولة النقدية الكافية التي تنهض بالجريدة.

* من المعروف أن الإعلام المعاصر بقدر ما هو (عقول) قادرة على الإنجاز، فهو إمكانيات مادية حديثة ومتطورة، وبدونها لا يستطيع أي (عقل) مهما كانت قدراته وكفاءته أن يفعل شيئًا سوى (تسكين) لآلام هنا أو هنا، أو (تحسين) مؤقت لهذا الجانب أو ذاك. وبنظرة فاحصة لواقع السوق الصحافية السعودية يدرك تطورها الهائل، وتحولها إلى سوق منافسة في الكفاءات البشرية وفي الإمكانيات المالية والأجهزة الفنية.

* و»الندوة» كونها في معمعة هذه السوق لابد وأن تخوض غمار هكذا معمعة بأجهزة صحفية وأنظمة معلومات وتقنية عالية وبسيولة مالية كافية حتى تستطيع أن تكون على قدر كافٍ من المنافسة. فالشاطرة لم تعد تغزل برجلها كما في المثل الشعبي بل لابد لها من ماكينة خياطة متطورة حتى تتمكن من الغزل والنسيج بذات الكفاءة والجودة لجارتها الشاطرة الأخرى.

* طوال فترة عملي في الندوة سواء كرئيس للتحرير أو كمدير عام كنت اسمع من البعض تطلعات وأحلامًا وآمالاً تعانق السماء وتملأ فضاء الوطن برؤية الندوة، وهي تزهو في خطواتها بذات القدر الذي تزهو به شقيقاتها من الصحف السعودية الأخرى، ولكن لم أجد (أحداً) يتحدث عن ضرورة (توفير) الأجهزة والأنظمة المتقدمة والمتطورة، إضافة إلى السيولة المالية الكافية لتتمكن الجريدة من (وضع) قدمها في ذات المسار الذي تسير فيه بقية الصحف الأخرى. ولهذا أوجدت مفهومًا (عملياً) لإدارة العمل وتسييره تمثل في المثل الشعبي القائل: (من دقنه فت له) أي الاعتماد على الذات وعلى سواعد الرجال وعلى الصبر الذي كان يهد الجبال. وهو ما وجدته بين معظم العاملين معي –آنذاك- عدا قلة، كثير منهم استغنينا عنهم وبعضهم بقي (مخللاً) كما هو توافقاً مع طبيعته.

* العجيب أن «الندوة» تمتلك مقومات نجاح ذاتية لا تشاركها صحف أخرى تتمثل في كونها الوحيدة التي تصدر في مكة المكرمة، وسوق مكة المكرمة شرفها الله القرائي والإعلاني كبير وكافٍ لإيجاد موارد مالية كافية للجريدة.. كما أن صدورها من أقدس بقاع الأرض يعطيها زخمًا هائلاً في ذهنيات القراء داخل المملكة وخارجها، ولكن تبقى كل هذه المقومات هكذا مجردة إن لم تتوفر الإمكانيات المادية والمالية اللازمة لتحويلها إلى (واقع) ينقل الندوة إلى مكانة متقدمة في المسيرة الصحافية السعودية.

المدينة 12/4/1430هـ